للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وآله وسلم فإنه معصوم مِن تمثّل الشيطان به، ومثلُه في ذلك جميع الأنبياء. والله أعلم.

[١٩٣] ومما يَستدلُّ به أهل الأرض على بعض الغيب من القسم الأول ولا يُحصِّل إلا الظن: التحديث.

ففي «الصحيحين» (١) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ولقد كان فيما قبلكم من الأمم محدَّثون، فإن يك في أمتي أحدٌ فإنه عمر».

والمحدَّث هو الذي يُلقي المَلكُ في رُوعه بعض الخواطر، فيحصل له بذلك ظنُّ وقوع ذلك. وهذه الخواطر قد تكون من المَلَك، وقد تكون من الشيطان، ولكن المحدَّث يغلب في خواطره كونها من المَلَك، فتكون غالب ظنونه صادقة، ومع ذلك فهو لا يرتقي عن الظن في شيء من ذلك، أما في نفسه، فلأنَّه لا يزال عنده احتمال ما يخالف ذلك، وأما بالتجربة، فلأنّه لا يطّرِد الصدق، ولا يزال هناك احتمال أن يكون الخاطر من الشيطان؛ ولهذا لم يكن الصحابةُ يتخذون ظنَّ عمرَ حجةً ولا هو نفسُه، وقد ثبت تردّدُه في أشياء كثيرة، وخطؤه في مواضع:

منها: قوله حين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قال (٢).

ومنها: نهيه الناسَ عن التغالي في الصَداق ووعيده لمن زاد على خمسمائة


(١) البخاري (٣٦٦٩ و ٣٦٨٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ومسلم (٢٣٩٨) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢) يعني قول عمر رضي الله عنه: «والله ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» كما في «صحيح البخاري» (٣٦٦٧).