للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأصبحتُ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يا أبا هريرة ما فعل أسيرُكَ البارحة؟ » قلت: يا رسول الله شكا حاجةً شديدةً وعيالًا، فرحمتُه فخلّيتُ سبيلَه، قال: «أما إنه قد كذَبَك وسيعود .. » الحديث. فذكر أنه عاد الليلة الثانية والليلة الثالثة، وقال له في الثالثة: دعني أعلّمك كلمات ينفعك الله بها، إذا أويتَ إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حتى تختم الآية، فإنك لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنّك شيطان حتى تصبح، قال: فخلّيتُ سبيلَه، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما فعل أسيرك البارحة؟ » قلت: زعم أنه يعلمني كلماتٍ ينفعني الله بها، [فخلّيتُ سبيلَه]، قال: «أمَا إنّه قد صَدَقك وهو كذوب. تعلمُ مَن تخاطب منذ ثلاث ليال؟ » قلت: لا، قال: «ذاك شيطان».

ووقفتُ في اليمن في بعض كتب الزيدية على قصّة: أنه بعد أن توفي الإمام القاسم (١) ــ مؤسس الدولة القاسمية في اليمن ــ بمُدّة، خرج فقيهٌ من أصحابه فإذا هو بالإمام القاسم بعينه لا يشكّ فيه، ثم ذهب في البريّة وهو يراه في حالة اليقظة. وذلك الفقيه عاقلٌ لم يُجرّب عليه كذب، ولا عُرف في عقله شيء، فذهب وأخبر علماء الزيدية حينئذٍ، فأجابوا بأن ذلك شيطان تصوّر بصورة الإمام.

والذي يظهر أن الله تعالى مانع الشياطين من التمثل بمثال الأحياء المعيّنين لئلّا تفسد المصالح، فأما التمثُّل بمثال إنسان مجهول كما في الحديثين، أو ميّت كما في القصة، فمن الممكن، إلّا النبي صلى الله عليه


(١) هو القاسم بن محمد بن علي بن محمد المنصور بالله، من أئمة الزيدية (ت ١٠٢٩). ترجمته في «البدر الطالع»: (٢/ ٤٧ - ٥١)، و «الأعلام»: (٥/ ١٨٢).