للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأحاديث الصحيحة كثيرة في مرائي نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وأكثرها مؤوَّلة، منها: رؤياه الناس يُعْرَضون عليه وعليهم قُمُص، منها ما يبلغ الثُّديّ، ومنها ما دون ذلك، وعُرِض عليه عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرُّه. وأوّل ذلك بالدِّين (١). وإذا كان في حقه صلى الله عليه وآله وسلم فكيف بغيره.

وقد يكون التأويل بعيدًا، كمن رأى نفسه فرِحًا يُؤوّل بالحزن، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: ٧٦]. وكمن رأى نفسه ذليلًا يؤوَّل بالعز؛ لقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: ١٢٣]. ولا سبيل إلى القطع في التأويل وإنما هو الظن.

وهذا بالنسبة إلى ما تدل عليه الرؤيا من الإخبار عن الغيب، وأما بالنسبة إلى الصورة المرئية، فإن المرئي ليس هو عين الصورة الحقيقية، وإنما المرئي مثال تستخرجه المخيِّلة من الحافظة أو يصوّره الشيطان أو يمثِّله المَلَك، والمثال حينئذٍ حاضر بالنسبة إلى الروح، فإدراكها له من الإدراك للحاضر لا للغيب؛ لأن الغيب إنما هو عين الصورة الحقيقية، والمرئي إنما هو مثالها.

فإن قلتَ: فقد ثبت في «الصحيحين» (٢) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثَّل في صورتي». ومنها عن أبي قتادة قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ رآني فقد رأى الحقّ» (٣).


(١) أخرجه البخاري (٢٣، ٧٠٠٨)، ومسلم (٢٣٩٠) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٢) البخاري (١١٠)، ومسلم (٢٢٦٦).
(٣) أخرجه البخاري (٦٩٩٦)، ومسلم (٢٢٦٧).