للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ٨٥] قال المجيزون: هذه الآيات التي ذكرتم وغيرها تدلُّ على أن المشركين سمّوا أصنامهم آلهة، وعبدوها، واعتقدوا أنها تستحقُّ العبادة، واعتقدوا أنها تشفع عند الله تعالى وتقرب إليه بغير إذنه، وكذّبوا القرآن والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، وليس منّا أحدٌ يعبد الصالحين، ولا يعتقد أنهم يستحقون العبادة، ولا يعتقد أنهم يشفعون ويقرِّبون إلى الله تعالى بغير إذنه.

قال المانعون: أما مطلق التسمية فإنه لا يتعلّق بمجرّد لفظها حقّ، وإنما يتعلّق بها من حيث معناها، ومعنى الإله: المعبود بحق، وسيأتي مثل هذا عنكم. وأما العبادة فإن فيكم من يعبد الصالحين، وذلك أنكم تدعونهم وتستيغيثون بهم كما مرّ، والدعاء مخّ العبادة أو هو العبادة، كما ورد في الحديث (١)، ويدلُّ عليه قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠] وفيكم من يتمسّح بأضرحتهم ويذبح عندها، وينذر النذور للموتى، ونحو ذلك. وكلُّ هذا من العبادة. ولا شكّ أنكم تعتقدون أنهم يستحقّون ذلك، وهذا معنى الإلهية.

وأما قولكم: إن المشركين كانوا يعتقدون في الأصنام أنها تشفع عند الله من غير إذنه، ففيه نظر، كيف وهم يقولون في تلبيتهم: إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك؟ وقد مرَّ قوله تعالى: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون: ٨٨]. مع أن فيكم من يعتقد في الصالحين قريبًا من


(١) سبق تخريجه (ص ٤٠٨).