إذا تصفَّحنا كتابَ الله تعالى نلتمس فيه دلالة في هذا البحث لم نجد إلّا قولَه تعالى في ذكر أصحاب الكهف:{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}[الكهف: ٢١].
فيقال: إن الله تعالى حكى عنهم هذا القول ولم يُنكره، فدلّ على جوازه في شرع مَن قبلنا، وشَرْعُ مَن قبلنا شرعٌ لنا ما لم يَرِد في شرعنا ما ينسخه كما تقدم (١).
والجواب: لا نسلّم أنّ عدم إنكار الله تعالى جلَّ ذكره لما يحكيه من الأقوال ويقصّه من الأفعال يدلّ على الجواز، كيف وقد حكى سبحانه قولَ إبليس:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ}[الأعراف: ١٢]، ولم يردّ عليه ردًّا يخصُّ هذه الدعوى؟ وحكى سبحانه عن النمروذ قولَه:{أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}[البقرة: ٢٥٨] ولم يُكذّبه. وقصّ عن إخوة يوسف خَدْعَهم أباهم، وإخلافَهم وعدَهم له، وإرادتهم قتلَ أخيهم، وإلقاءه في غيابة الجبّ، وبيعَه بثمن بَخْسٍ. ولم ينصّ في قصّتهم على أن تلك الأفعال من المحرّمات. وغير هذا كثير في القرآن.
سَلَّمْنا أن عدم إنكاره سبحانه وتعالى يدلّ على الجواز في شرعهم، فلا نُسَلِّم أن شرع مَن قبلنا شرع لنا، كما هو الصحيح من مذهب الإمام