للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصيام يخالف فيه من وافقه في الأول ويوافق من خالفَه فيه، فإنه يعمل بما أدَّى إليه اجتهاده، ولا عبرةَ بكونه يتركَّب من عبادته صورة مخالفةٌ للإجماع. وهكذا في الصلاة والوضوء، وهكذا في بعض أحكام الوضوء مع بعض. فكذلك يقال في المستفتي، وإنما يحذر مخالفة الإجماع إذا كان في جزئية واحدة. فتأمَّلْ هذا، فإنه واضح، والله أعلم.

وفوق ما ذُكِر فإنكم حكمتم بانقطاع الاجتهاد، وقد حكى في "إرشاد الفحول" الخلاف في ذلك، حتى قال (١): وقالت الحنابلة: لا يجوز خلوُّ العصر عن مجتهدٍ، وبه جزم أبو إسحاق والزبيري، ونسبه أبو إسحاق إلى الفقهاء. قال: ومعناه أن الله تعالى لو أخلى زمانًا من قائم بحجةٍ زال التكليف، إذ التكليف لا يثبت إلا بالحجة الظاهرة، وإذا زال التكليف بطلت الشريعة. قال الزبيري: لن تخلُوَ الأرضُ من قائمٍ لله بالحجة في كل وقتٍ ودهرٍ وزمانٍ، وذلك قليل في كثير، فأما أن يكون غير موجودٍ كما قال الخصم فليس بصواب، لأنه لو عُدِمَ الفقهاء لم تَقُم الفرائضُ كلُّها، ولو عُطِّلت الفرائضُ كلها لحلَّتِ النقمةُ بالخلقِ، كما جاء في الخبر: "لا تقوم الساعةُ إلّا على شِرار الناس" (٢). ونحن نعوذ بالله أن نُؤخَّر مع الأشرار. انتهى.

قال ابن دقيق العيد: هذا هو المختار عندنا، لكن إلى الحدّ الذي ينتقض به القواعد بسبب زوالِ الدنيا في آخر الزمان.


(١) (٢/ ١٠٣٧).
(٢) أخرجه مسلم (٢٩٤٩) من حديث ابن مسعود.