للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الجاثية: ١ - ٥]. وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: ١٠٥]. والآيات في ذلك كثيرة.

وبناءً على ما تقدم زعمت المعتزلة أن كلَّ إنسانٍ قبلَ بلوغ الدعوة مكلَّفٌ بالنسبة لما أدرك العقل فيه صفةَ حُسْنٍ أو قُبحٍ لذاته أو لصفته أو لوجوهٍ واعتباراتٍ، على اختلافٍ بينهم في ذلك، وخالفهم غيرهم، كما ذكره الشوكاني في "إرشاد الفحول" (١). وبعد أن شرح الخلاف والاحتجاج من الطرفين قال في آخره ما لفظه (٢): "وبالجملة فالكلام في هذا البحث يطول، وإنكارُ مجرد إدراك العقل لكون الفعل حسنًا أو قبيحًا مكابرةٌ ومباهتةٌ. [ص ٥] وأما إدراكُه لكونِ ذلك الفعل الحسن متعلقًا للثواب، وكونِ ذلك الفعل القبيح متعلقًا للعقاب= فغير مسلَّم. وغايةُ ما تُدرِكه العقول أن هذا الفعل الحسن يُمدَح فاعلُه، وهذا الفعل القبيح يُذَمُّ فاعلُه، ولا تلازُمَ بين هذا وبين كونِه متعلقًا للثواب والعقاب".

أقول: قوله: "غير مسلَّم" فيه نظر؛ لأنه إذا ثبتتْ معرفةُ الله تعالى بالفطرة والاستدلال، وثبتَ أن العقل يُدرِك حُسنَ العدل، فعندما يرى العاقل قصاصَ الله سبحانه وتعالى بين بعض الخلائق في الدنيا وإملاءَه لبعضهم، يؤدِّيه نظرُه إلى أن بعد هذه الدار دارًا أخرى، يبعثُ الله بها الخلقَ ويقتصُّ من الظالم، ونحو هذا.


(١) (١/ ٧٨ وما بعدها).
(٢) (١/ ٨٣).