للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحديث السابق: «زوّارات القبور». وبهذا تتفق الأدلة، والله الموفق.

ثم وقفت على «فتح الباري» (١) فحكى فيه الخلاف، وقال: «قال القرطبيّ: هذا اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصِّفةُ من المبالغة .. » إلخ. وهو الذي لاح لي ولله الحمد.

الرابع: هل تُزار قبور الكفّار؟

قد مضى أول هذا البحث (٢) أن قوله تعالى: {وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: ٨٤] يتناول الزيارة، وأن العلة ــ وهي الكفر بالله ورسوله والموت عليه ــ موجودة في غير المنافقين من الكفّار؛ فتكون زيارة قبور الكفار منهيًّا عنها. ولكن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» عام يتناول قبور الكفار.

ثم إن العلة التي لأجلها نُدِبت زيارة القبور ــ وهي كونها تذكّر الموت أو تزهّد في الدنيا وتذكِّر الآخرة ــ موجودة في قبور الكفار. قالوا: وقد زار النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم قبر أُمِّه كما مرّ (٣).

والذي يلوح لي ترجيح دلالة الآية؛ أولًا: لما يظهر من أنها نَسَخت جواز القيام على قبور الكفار كما نَسَخت جواز الصلاة عليهم. ونزولها كان بعد عود النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تبوك، وما مرّ من أدلة الجواز متقدّم على ذلك.


(١) (٣/ ١٤٩). وكلام القرطبي في «المفهم» (٢/ ٦٣٣).
(٢) (ص ٢٠٠).
(٣) (ص ٢٠٢).