الأول: من علم أن إثبات مطلق اليد والوجه ونحوهما مما ورد لا يستلزم ماهيةً ولا كيفيةً ولا كميةً وغيرها من الحوادث، فآمن بذلك كما جاء من عند الله تعالى.
والثاني: من ظنَّ التلازم بين الأمرين، وهؤلاء افترقوا إلى فرقتين:
فرقة اعتقدت التلازم، فاعتقدت ثبوتَ اليد والوجه مع ما اعتقدتْه ملازمًا لذلك من الحوادث.
وفرقة علمتْ أن ثبوت الماهية والكيفية والكمية وغيرها من الحوادث نقصٌ بالنسبة إلى الله تعالى، فنَفَتْ ثبوتَ مطلق اليد والوجه وغيرهما مما ورد رأسًا، وتعسَّفتْ في تأويل الآيات والأحاديث الواردة بذلك، بدون التفاتٍ إلى ما يلزم على هذا القول، وأعرضتْ عن قوله تعالى في كتابه:{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت: ٤٢]، وقوله تعالى في رسوله صلى الله عليه وآله وسلم:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى: ٥٢].
وقد اعتذر بعضهم بأنهم إنما خاضوا في علم الكلام مع كون الخوض فيه بدعة لأنه نشأ في الناس [كثير من] المبتدعة [شبَّهوا] على [الجهال](١) بالشُّبه المنسوجة بالأدلة وغيرها. ورأى العلماء أن الوقوف على طريقة السلف غيرُ كافٍ في ردّ شُبَه هؤلاء القوم وإدحاضِ ما يغُرُّون به الناس، فاضطرُّوا إلى قتالِ أولئك المبتدعة بسلاحهم، وصياغةِ حجج الدين في قوالب الفلسفة، ليكون ذلك كافيًا في إبطال تلك الشُّبه، وأرادوا بهذا القول أن ينظموا هذا الفعل في سلك القسم الأول من النوع الثاني، ويُلحِقوه بجمع القرآن ونحوه.
(١) هنا كلمات ذهب أكثرها في طرف الورقة، ولعلها ما قدرناها.