للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي آخره: «فأتته ــ أي إبراهيم ــ وهو قائم يصلي فقال: مَهْيَم ... » الحديث.

والحاصل أنه من أَمْحَل المحال أن يُظهر الله عبدًا من عبيده على جميع غيبه، وحسبك أن الله تعالى متعبِّد عبيدَه بالدعاء، فكيف يدعو العبد فيما قد عُلِم أنه واقع أو غير واقع، وقد قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (١٨٧) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: ١٨٧ - ١٨٨].

ومرّ (١) أن قوله: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} كما يدلُّ على عدم العلم الذاتيّ يدلّ على عدم الإظهار على جميع الغيب، لأن استكثاره الخير وعدم مسّ السوء له لازمٌ لإظهاره على جميع الغيب، كما هو لازم للذّاتي، فلا يتمّ المنع إلا بامتناعهما معًا.

وقوله تعالى: {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} وما بعده يدلّ على أن الساعة لم يُظْهِر اللهُ على وقتها أحدًا من خلقه، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

[*٦] وأما الأحاديث الدالة على ما قدمنا فهي كثيرة لا تُحصى، ففي حديث جبريل الثابت في «الصحيحين» (٢): «متى الساعة؟ فقال: ما


(١) (ص ٣١٦).
(٢) البخاري (٥٠)، ومسلم (٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.