للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقول الشارع: "أدُّوا النُّسُك" [أمرٌ] بأداء النسك، وأداء النسك لا يتم إلّا بسفرٍ إلى الحرم، وما لا يتمُّ الواجب إلّا به فهو واجب، فالسفر إلى الحرم واجب، فكان الأمر بأداء النسك أمرًا بالسفر إلى البيت، وهذا السفر مطلق يصدُق على السفر برًّا والسفر بحرًا وغير ذلك.

إذا تقرر ما ذُكِر فإنه ما من شيء من الأشياء إلّا وحكمه الشرعي مبيَّنٌ في كتاب الله تعالى بإحدى الدلالات الثلاث أو المفهومات المعتبرة، سواء كان موجودًا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم حدثَ بعده، وحينئذٍ فالآتي بشيء ما من الأشياء إن كان الإتيان به موافقًا للشرع فتلك السُّنَّة، وإن كان مخالفًا له فإن كان موجودًا من أول الإسلام فهو حرام أو مكروه فحسب، وإلَّا فهي المحدثة البدعة.

[ص ٣] والحاصل أن الأشياء الحادثة بعد عصر النبوة نوعان:

الأول: ما كان فيما يتعلق بمصالح الدنيا، من مطاعم ومشارب وملابس ومراكب ومناظر ومزارع وغير ذلك مما لا يضر بالدين، فهذا جائز لدخوله تحت عمومات الإباحة، فليس في الشرع بدعةً ولا محدثةً لموافقته للشرع، ولا مانعَ من استعمال المحدث من ذلك وسيلةً لتحصيل الأمور الدينية، كركوب الطيارات لأداء النسك، لأن مقصود الشارع من الأمر بالسفر لأداء النسك هو الانتقال إلى الحرم بأيّ وسيلةٍ كانت لأداء المقصود الذي هو النسك، وإن كان الاتباع أفضل.

النوع الثاني: ما كان فيما يتعلق بالأمور الدينية خاصةً، فهذا على قسمين: وسائل ومقاصد.

فأما الوسائل فإنه يجوز العمل بما أُحدِث منها بشرط تعذُّر أو تعسُّرِ