يخالفه، عملًا بقوله:"إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي". ومثلُ هذا يقال في كلام القاضي عبد الوهاب ليتم اندفاع المناقضة في كلامه. والله أعلم.
[ص ٣٢] وبهذا عُلِمَ الجواب على الأمر الثالث، فإن تلامذة الأئمة وعدة طبقات ممن بعدهم لم يكونوا متبعين للأئمة اتباعَ تقليدٍ، وإنما كانوا يتعلمون علمه، فيستعينون به على الاجتهاد، وكثيرًا ما يخالفونه كما علمتَ.
وأما مَن جاء بعد ذلك فجمَدَ على التقليد، فاستغنى بكلام الإمام عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله، واتخذ كتابَ الله مهجورًا، ولم يرفع إليه رأسًا، فهؤلاء لا حجةَ في عملهم، لأنهم لم يكونوا مجتهدين فيُعتَبر قولهم في الإجماع، ولا تجوز فتواهم، ولا تُجيزون أنتم تقليدهم، فأنتم وهُم سواءٌ. ومن راجع مؤلفاتهم علم مقدارَ علمهم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله.
على أنه لم يزل في المنتسبين إلى الأئمة علماء أجلَّةٌ عارفون بكتاب الله تعالى وسنة رسوله، ينكرون التقليد ويمنعونه ويتبعون الدليل، كما هو مفصَّل في محالِّه من الكتب المؤلفة في إبطال التقليد. فأولئك في الحقيقة مجتهدون، وإن كان تيَّار التقليد حين طمَّ على الأمة حَرَمَهم من لقب الاجتهاد، وحَرَمَ الأمةَ من الاهتداء بهَدْيهم والانتفاع بعلمهم، إلّا أن آثارهم والحمد لله محفوظة.
تلك آثارنا تدلُّ علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار (١)
نحن لا ننكر أن تقديم المقلدين لقول إمامهم على الدليل الشرعي صادر عن حسنِ ظنٍّ به [ص ٣٣] أنه قد أحاط بأدلة الكتاب والسنة، فرأوا أنه