ولا يقدح هذا في الإجماع الذي نقله الغزالي، لأن كلامه في التقليد المطلق، أي في العمل بمجرد إخبار المجتهد بدون معرفة دليله، وفي هذا دليل واضح على أن أهل الأصول لم يكونوا يعتبرون عملَ القاصر بإخبار العالم بعدمِ المعارض تقليدًا، وإلّا لم يُطلِقوا القولَ بمنع تقليد الميت بإجماعٍ منهم، وهذا هو عينُ ما قدَّمناه أن ذلك إنما هو نوع من الرواية يجوز العمل بها للضرورة.
* قال المانعون: ولم تقفوا عند هذا، بل أوجبتم التزامَ مذهب إمام معين، وهذا مع عمل القرون الثلاثة في طرَفيْ نقيض، وإنما قاله من قاله لِمَا التزمه من جواز التقليد المطلق، فرأى أن العامي مُعرَّضٌ لتتبع الرخص وللتلفيق، فاحترز بإلزامه مذهبًا معينًا، على خلافٍ بينهم [ص ١٧١] يطول شرحُه. حتى إن بعضهم أجاز تتبُّعَ الرخص مطلقًا وكذلك التلفيق، وفي المثل:"لا يَلِدُ الغلطُ إلا غلطا". ما على فاهم الحق من عدم إباحة التقليد المطلق، بل يجب على العامي سؤال المجتهد، فإنه لا يريد تتبع الرخص، فإن اتفقت له رخصة فهو لم يقصدها عينًا. فإذا كان هناك عدة مجتهدين، فذهب العاميُّ فسأل كلَّ واحدٍ منهم، وعرفَ دليله، فوجدها متعارضة، فالواجب عليه الترجيح بين الأدلة إن اتَّسع عقلُه لذلك، وإلّا فبيْنَ المفتين بالعلم فالورع ونحو ذلك بقدر ما يفهمه. هذا إن ذهب فاستفتى كلَّ واحدٍ منهم، أما إذا اكتفى بسؤال واحدٍ منهم وهو الأولى له، فإنه يعمل بفتواه، وإن بلغَه أن غيره ــ ولو أرجح منه ــ يخالفه في ذلك.
وأما التلفيق فإنه لا محذور فيه لإجماع أهل القرون الأولى على عدم