للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعالم باللسان.

وأما ما كان منها مبنيًّا على السمع فلا يمكنه تحصيلُ العلم المطلوب فيها إلا بتحصيل المرتبة الثالثة، ولكنه ينبغي له النظر فيها بقدر جهده، ينظر الأدلة التي ذكرها العلماء فيها ما أمكنه من غيرها. ومن أصول الفقه علم مصطلح الحديث، فيجب تحصيله معه. فإذا أتقن ذلك بحيث يُوثَق باستنباطه، ويغلب على الظن عدمُ خطئه ولو بمراجعة الكتب، تأهَّل للمرتبة الثالثة:

وهي العلم بكتاب الله تعالى وسنة رسولِه، بأن يُمارِس كتابَ الله تعالى بكثرة التلاوة والتدبر والتفكر، ويُمارِس كتب السنة بالقراءة وتأمّل المعاني وتعرُّف مواقع الأبواب، حتى يصير بحيث يغلب على الظن أنه إذا أمعن النظر في مسألة فتذكَّر كتاب الله تعالى وتصفَّح كتب السنة، لم يعزُب عنه ما فيها من الدلائل الظاهرة على مسألته، ولا يشتبه عليه ما يُحتَجُّ به من غيره، ولا الناسخ بالمنسوخ، ولا الراجح بالمرجوح، ولا ما يحتج به من الأحاديث بغيره.

وإذا حصَّل ذلك فليبدأ بتكميل النظر في مسائل أصول الفقه التي تتوقف على السمع، حتى يستتبَّ له العلم بأصول الفقه، وهذا هو المجتهد. والحق أنه إذا حصَّلَ المرتبتين الأُولَيينِ تعيَّن عليه تحصيل الثالثة. ويكفيه من السنة أن تكون لديه كتبها المتداولة بين الناس، كالأمهات الست وغيرها من المسانيد والمجاميع، ولاسيَّما مع شروحها، فإن الشُّراح يتعرضون في كل باب لذكر ما فيه من الأدلة من الكتب العزيزة. ولا يلزمه جَمْع كتب السنة كلها، لأن أئمة السلف كانوا يجتهدون ويفتون [ص ٥٥] مع علمهم بأنه قد