للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

احتمال أصلًا ــ كما مرّ ــ. وهذه الأدلة القواطع من آيات الكتاب، والأحاديث المتواترة الصحيحة، فما معنى دعوى الإجماع بمناقضتها ومعارضتها؟ وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

وعليكم أن تراجعوا كلام الإمام الشافعي في الإجماع، وكلام الإمام أحمد، وقد مرَّ بعضُه.

وأما قولكم: إن الناس مفطورون على ذلك، فهذا جهل بيّن، فإن الفطرة إنما هي معرفة الله وحده، وما خرج عنها فهو ليس من الفطرة، وإنما هو التقليد المحض، كما ينشأ أولاد الكفار كفّارًا، يظنون الحق ما عاش عليه آباؤهم وأجدادهم وألِفُوه واعتادوه، فيقول قائلهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: ٢٣]. ويُنشد:

بلادٌ بها عقَّ الشبابُ تمائمي ... وأوّل أرضٍ مسّ جلدي ترابُها (١)

ويردّد:

أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جَمَعَتْنا يا جريرُ المجامع (٢)

ويقول أحدهم: واعجباه! أيمضي آباؤنا وأجدادنا وفيهم العلماء والعُبّاد والأمراء على هذه العقيدة وتكون باطلة، إن هذا لشيء عجيب! أوَ يسوغ لنا أن نخالفهم في ذلك ويفوز هؤلاء النّفَر القليل بالحق دونهم؟ لو كان خيرًا ما سبقوهم إليه.


(١) البيت في «الأمالي» (١/ ٨٤) للقالي، وتخريجه في «سمط اللآلي» (ص ٢٧٢) ونُسب لغير واحد. وانظر «الكامل»: (٢/ ٨٤٢).
(٢) البيت للفرزدق في «ديوانه» (١/ ٤١٨).