وفضَّل بالنسب والسابقة، ثم قسمَ عليٌّ، فألغى العبيد وسوَّى بين الناس، وهذا أعظمُ ما يلي الخلفاء وأعمُّه وأولاه أن لا يختلفوا فيه.
وإنما لله جلَّ وعزَّ في المال ثلاثة أقسام: قسم الفيء، وقسم الغنيمة، وقسم الصدقة. فاختلف الأئمة فيها، ولم يمتنع أحدٌ من أخذِ ما أعطاه أبو بكر ولا عمر ولا علي. وفي هذا دلالةٌ على أنهم يُسلِّمون لحاكمهم وإن كان رأيهم خلافَ رأيه، وإن كان حاكمهم قد يحكم بخلاف آرائهم، لا أن جميع أحكامهم من جهة الإجماع منهم. وعلى أن من ادَّعَى أن حكم حاكمهم إذا كان بين أظهرهم ولم يردُّوه، فلا يكون إلا وقد رأوا رأيَه، قِيْل: إنهم لو رأوا رأيَه فيه لم يخالفوه بعده.
فإن قال قائل: قد رأوه في حياته، ثم رأوا خلافه بعده.
قيل له: فيدخلُ عليك في هذا ــ إن كان كما قلتَ ــ أن إجماعهم لا يكون حجةً عندهم ... إلخ، بكلام يُبطل فيه ما يُسمَّى بالإجماع السكوتي.
ثم قال (١): فإن قال قائل: أفتجدُ مثلَ هذا؟
قلنا: إنما بدأنا به لأنه أشهرُ ما صنع الأئمةُ، وأولى أن لا يختلفوا فيه وأن لا يجهله العامة، ونحن نجد كثيرًا من ذلك. إن أبا بكر جعلَ الجدَّ أبًا، ثم طرحَ الإخوةَ معه، ثم خالفه فيه عمر وعثمان وعلي. ومن ذلك أن أبا بكر رأى على بعض أهل الردّة فداءً وسبيًا، وحبسَهم لذلك، فأطلقَهم عمر وقال: لا سَبْيَ ولا فداءَ. مع غيرِ هذا مما سكتنا عنه، ونكتفي بهذا منه.