للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنسي أصحابي أم تناسَوا؟ والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مِن قائدِ فتنةٍ إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ مَن معه ثلثمائة فصاعدًا إلا قد سمَّاه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته».

والحديث على كلِّ حال مشكل؛ أمَّا أولًا: فلأنَّ المقامَ الواحد، بل الأشْهُر لا تسع ذِكرَ كلِّ رئيس ثلثمائة فصاعدًا، فضلًا عن كلِّ شيء. والمعجزة ممكنة، والله على كل شيء قدير، ولكن ظاهر الأحاديث أنَّ ذلك جارٍ على مقتضى العادة.

وأمَّا ثانيًا: فلأن الصحابة رضي الله عنهم وقعوا في فتن بعده صلى الله عليه وآله وسلم [*٩] فما لهم لم يحفظوا ما قال صلى الله عليه وآله وسلم فيها، وربما حفظوا القليل.

فإن قيل: لعلّ الله تعالى أنساهم عامَّةَ ذلك لِمَا سبق في حكمته، فقد بقي إشكال آخر، وهو أنه لا يظهر فائدة عظيمة للإخبار ثم الإنساء. فأما الإخبار ببعض الفتن وعدم إنسائه، ففيه فائدة لمن أدركها؛ يَسْتدلّ على الحقّ من الباطل.

ثم إن إظهارهم على ما سيكون بهم تفصيلًا منافٍ للتكليف، كما دلّ عليه: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: ١٨٨] كما مرَّ بيانه (١).

والذي يترجَّح في معنى الحديث ــ والله أعلم ــ ما قدَّمناه: أن المراد من الأمور العِظام والفتن الجسام التي تهمُّ الإسلام، ويفزع لها الخاص والعام.


(١) (ص ٣٢١).