وعلى كل حال فالفضل إنما يتحقّق بالتقوى والاتباع، وإلّا عاد العلمُ وبالًا على صاحبه. وفقنا الله تعالى لما يحبّه ويرضاه آمين.
على أن الوجهين اللذين ادعى أنهما يقتضيان أفضلية النسب يقتضيان أفضلية العلم، وذلك أنه تبين منهما أن النسب ليس من الأفعال الاختيارية التي يُحْمَد صاحبها عليها، بل هو كالطول والقصر وبياض اللون وسواده مما لا يتعلّق به الحمد ولا الجزاء. ولو تمّ استدلاله لزم منه أن حُسْن الوجه أفضل من العلم؛ لأنه ذاتي لا يزول بالجنون. وهذا القول هو الجنون! على أن فضل النسب هو أمر اعتباري [ص ١٧] بين الناس، وأما عند الله تعالى فليس الكرم إلا التقوى.
وأما ما ورد من الأدلة الشرعية مما يقتضي فضيلةً للنسب فإنما هو باعتبار كونه منشئًا للتقوى أو ناشئًا عنها، والأول ــ أعني كونه منشئًا للتقوى ــ إنما يكون بالنظر إلى المجموع لا الجميع، وحيث كان كذلك فلا يحصل للفرد إلّا إذا كان من أهل التقوى، وذلك لوجود المقتضي الذي لأجله أُطلق الفضل على النسب فيه، وإلّا كان كالحشَفَة من التمر، بل إذا اتصف بما يضاد التقوى كان بمنزلة حشفةٍ نُقِعَت في نجاسة.
والثاني ــ أعني كونه ناشئًا عن التقوى ــ شرط حصوله للفرد أن لا يوجد فيه ما يُناقض التقوى ويعارضها. ومع ذلك فمعلوم أن النسب ليس من الأمور القطعية. وقد سمعت شيخي محمد بن علي الإدريسي يحكي عن جده أحمد بن إدريس أنه كان يقول:(الزمانُ قد طال وليس على فروج النساء أقفال). وهذا البحث يحتاج إلى بسط ليس هذا موضعه.