للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعض ــ ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدَّد بين أصابعه ــ فيسمع الكلمة فيلقيها إلى مَن تحته، ثم يلقيها الآخر إلى مَن تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهابُ قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مئة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا، فيُصدَّق بتلك الكلمة التي سُمعت من السماء».

وفي «الصحيحين» (١) عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل أناسٌ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الكُهَّان؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنهم ليسوا بشيء»، قالوا: يا رسول الله، فإنهم يحدِّثون أحيانًا بالشيء يكون حقًّا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنّي فيقرّها في أذن وليه قرَّ الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مئة كذبة».

فإن قلت: قد قررتم سابقًا (٢) أنّ إخبار المَلك للبشر بالغيب من الإظهار على الغيب، وقرَّرتم أنه خاصّ بالرُّسُل، فما تقولون في سماع الجني لكلام الملائكة بالغيب؟

فالجواب: أننا قرّرنا فيما قرّرناه أن سماع بعضِ الملائكة من بعضٍ ليس من الإظهار على الغيب، بل هو كسماع عامة البشر من الأنبياء، بخلاف سماع البشر لخبر الغيب من الملائكة مع القَطْع بكونهم ملائكة، فإنه من الإظهار على الغيب الخاص بالأنبياء.

وبقي الجنّ لم نبيِّن حكمهم فيما سبق، فقد يقال: إنهم أولى من عامّة


(١) البخاري (٦٢١٣)، ومسلم (٢٢٢٨).
(٢) (ص ٣٢٤).