للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإنس بعدم تلقّي الغيب من الملائكة؛ لأن الإنس أشرف منهم. وقد يُقَال بخلاف ذلك [١٩٥] بحُجّة أنهم من حيث الخِلْقة أقرب إلى الملائكة، فإنهم يرون الملائكة بدليل قوله تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ} الآية [الأنفال: ٤٨]، والملائكة يرونهم فلا يبعد أن يكون سماعهم لكلام الملائكة مما جرت به عادتهم، بل هذه الأحاديث حجة في كونهم يسمعون كلام الملائكة على مقتضى العادة والخِلْقة؛ فإن فيها أنهم يسمعون كلام الملائكة في السماء الدنيا، ونحن معشر البشر لا نسمع كلام الملائكة إلا إذا تمثلوا (لنا)، ومع هذا فقد دلّت الآيات والأحاديث على أن الله تعالى لا يمكِّنهم من سماع كلام الملائكة في السماء الدنيا، قال تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: ٢١٠ - ٢١٢]. وقال تعالى: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (٩) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: ٨ - ١٠]. إلا أنهم قد يسمعون الكلمة الواحدة، أي: بدون تمام المعنى، فيتخرّصون هم وأولياؤهم في المعنى المراد بها، ويركّبون من ذلك كلامًا طويلًا، والغالبُ كذبُه، وقد يوافق على سبيل الاتفاق.

وإذا كَذَب وحَدَث حادثٌ يتعلّق بتلك الكلمة يخالف إخبار الكاهن تأوّل الناسُ خبره الأول بأنه رمز وإشارة إلى هذا الحادث وصدّقوه!

والحاصل أنّ الجنّي إنما يسمع من الملائكة كلمة أو كلمتين لا يتمّ بهما