للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بغداد، حيث دخلَها والجمعةُ متعددةٌ بها، فلم ينكر ذلك. ومع هذا فنصُّه ظاهرٌ في منع التعدد مطلقًا (١). فلا أدري من أيهما أَعجَبُ؟ أمِن استدلالِهم بتقريرِه أم من تركِهم لنصِّه حيثُ لم يوافقْ هواهم؟ مع كونهم مسجِّلين على أنفسهم أنهم لا يتركون كلامَه ولو ظهرتْ دلالةُ القرآن بخلافه، أو صحَّ الحديث بخلافه، وعاملين بذلك كأنهم لم يعلموا أن تقرير النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان حجةً لعصمته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فمن المحال أن يرى أحدًا يفعل شيئًا غيرَ جائزٍ فيسكت عن إرشاده. والشافعي رحمه الله تعالى على فضله لم يَصِلْ إلى هذه الدرجة، ومع هذا فإنه دخلَ بغداد وهي مقرُّ الخلافة، وفيها جماعة مجتهدون هم المُفتون بجواز تعدد الجمعة، فهل يسوغُ للشافعي أن يقول: أيها الناس! لا تعملوا بفتوى هؤلاء العلماء، بل أنا أفتيكم؟ ومع ذلك فهو لا يأمنُ على نفسِه من الضرر. ومع هذا فالجمعتان في بغداد كانت إحداهما في الجانب الشرقي، والأخرى في الغربي، والنهر حائل بين الجانبين، وكلٌّ من الجانبين في حكم بلدٍ مستقل. ومع هذا فقد كان هذا التقرير في القديم، وقد نصَّ في الجديد على خلافه، فقد [ص ١٨٤] [نصَّ على] (٢) المنع، أي منع إقامة جمعتين مطلقًا، وأن ذلك هو المتعين (٣)، لإجماع السلف على عدم التعدُّد مع الحاجة إليه، وبَسَطَ ذلك بما ينبغي أن تراجعه.

فإن قيل: إن الأصحاب رأوا منعَ التعدُّد مشدَّدًا جدًّا، فعَدَلوا عنه.

فالجواب: أنه إن كان التشديد في هذه المسألة هو حكم الله تعالى


(١) انظر "الأم" (٢/ ٣٨٥).
(٢) ذهب التآكل في رأس الورقة بكلمتين أو ثلاث. ولعلها ما أثبتناه.
(٣) هنا كلمة لم نتبينها، والسياق مستقيم بدونها.