فقال:"ما زال بكم الذي رأيتُ من صنيعكم حتى خشيتُ أن يُكتَب عليكم، ولو كُتِب عليكم ما قمتم به، فصلُّوا أيها الناسُ في بيوتكم، فإن صلاة المرء في بيته أفضلُ إلَّا المكتوبةَ".
وقوله:"ما زال بكم الذي رأيتُ من صنيعكم" يريد ــ والله أعلم ــ من اجتماعهم وحرصهم على الحضور، كما يدل عليه قوله:"فصلُّوا أيها الناس ... " إلخ. فقطعَ صلى الله عليه وآله وسلم أن يخرج للصلاة بهم خشيةَ أن تُكتَب عليهم، وأرشدهم إلى أن يُصلُّوا في بيوتهم، لأن صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة، وخشيةُ أن تُفرض هو المانع في الحقيقة. فأما عدولهم عن الصلاة في بيوتهم فإن غاية ما فيه أنه خلاف الأولى، ومع ذلك فكان ينجبر بائتمامهم به صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لما انقطع ائتمامهم به للمانع الأول انتفى الانجبار كما هو ظاهر. فلما توفي صلى الله عليه وآله وسلم انتفى الأمر الأول الذي هو المانع في الحقيقة، وبقي المانع الآخر وهو كون الأفضل صلاتهم في بيوتهم، فبقي الحال على ذلك خلافةَ الصدّيق وبعضَ خلافة عمر، ثم كان ما أخرجه البخاري (١) عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريّ قال: خرجتُ مع عمر بن الخطاب ليلةً إلى المسجد، فإذا الناسُ أوزاعٌ متفرقون، يصلِّي الرجل لنفسه، ويصلِّي الرجلُ فيصلِّي بصلاته الرهطُ، فقال عمر: إني لو جمعتُ هؤلاء على قارئ واحدٍ لكان أمثلَ، ثم عزَم فجمعَهم على أُبي بن كعب. قال: ثم خرجتُ معه ليلةً أخرى والناسُ يصلُّون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعمتِ البدعةُ هذه! والتي ينامون عنها أفضلُ من التي يقومون، يريد آخر الليلة، وكان الناس يقومون أوّلَه.