للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا فسَدَ أهل الشام فلا خيرَ فيكم، ولا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرُّهم من خذَلَهم حتى تقوم الساعة" قال ابن المديني: هم أصحاب الحديث. رواه الترمذي (١) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ومع هذا فإننا لا نيأسُ من رَوح الله تعالى أن يُعيدَ للإسلام مجدَه، ويردَّ من تفرقتْ بهم السُّبلُ إلى سبيله، وهو على كلِّ شيء قدير.

وأما الفروع فقد جاء الإسلام فيها بما يمنع الاختلاف ويحولُ دونَه، وهو ردُّ ما اختُلِف فيه إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله، فإن اختلفت الأنظار فكلُّ أحدٍ من النُّظَّار يعذر صاحبَه كما عذَرَه الله تعالى، ولا يَحمِله خلافُه إياه على عدم موالاته وموادَّتِه، ما دامَ قد اجتهد بقدر وُسْعِه، وقال بما ترجَّح عنده أنه الحق. ومع ذلك فلا يكاد يمضي يسيرٌ من الزمن حتى يُظهِر الله تعالى الحقَّ بإظهار دليله، فيزول الاختلاف ويتم الائتلاف.

ولكن البلاء دخلَ على المسلمين من هذه الجهة أيضًا بحملهم على تقيُّدِ كلِّ فرقة منهم بمذهب مخصوص، مع الإعراض عن أدلة الحق ونصوصه من كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وآلَ بهم الأمرُ إلى العصبية المنهيِّ عنها، فصار كل أحدٍ يتعصَّبُ للمذهب الذي ينتمي إليه ويقدح فيما عداه. وهكذا تجزَّأت العصبية الدينية، التي حرصَ الشارع على جعلها رابطةً لكلِّ من ينتمي إلى الدين الإسلامي حتى تكون الجامعة الإسلامية، كما في "الصحيحين" (٢) عن


(١) رقم (٢١٩٢).
(٢) البخاري (٦٠١١) ومسلم (٢٥٨٦).