للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أننا نعلم أن العلماء وأهل الفضل والصلاح الصادقين لا يحبون تعظيم الناس لهم، بل تقشعرّ منه جلودهم، وتشمئزّ منه نفوسهم، ويكرهونه أشدّ الكراهة.

وكذلك يكرهون تبرّك الناس بهم؛ لأنهم دائمًا يرون نفوسهم من أهل النقص والخطأ، ويكرهون كل ما قد يكون سببًا للعُجْب وذريعةً إليه، حتى إن بعضهم يتلبّس بما ظاهره المعصية هربًا من ذلك.

وأما مَن كان دون هذه المنزلة، فإنه وإن أحبَّ تعظيم الناس له وتبرّكهم به فإنما يدعوه إلى ذلك حبُّ الدنيا، فيرى أن تعظيم الناس له وتبرّكهم به يستدعي تقرّبهم إليه بالأموال، فالمقصود حينئذٍ (١) هو المنفعة المادية فقط. وهذا مع كونه مقصدًا سيّئًا في نفسه بالاتفاق، فالمانعون لا يمنعون الناسَ من مواساة أهل العلم والفضل والصلاح والقرابة الشريفة بالأموال، بل يرون ذلك من أفضل القُرُبات، ويحضّون الناسَ على الاستكثار منه.

نعم، قد يكون بعض الأشراف والعلماء يحبُّ تعظيم الناس له وتبرّكهم به مع عدم احتياجه إلى المنفعة المادية، وإنما يحبّ ذلك لمجرّد الفخر والعُجْب والمباهاة والتعاظم، ولا شكّ أن ذلك مذموم شرعًا. وأشدّ الناس محاربةً لهذا الداء ونحوه من أدواء القلوب: مشايخ الصوفية، حتى إن بعضهم يقول: من رأى نفسه خيرًا من بعرة كانت البعرةُ خيرًا منه!

والذي ينبغي في مثل هذا: أن يُعامل صاحبه بنقيض قصده كما ورد:


(١) كتبها المؤلف (ح) اختصارًا، وكذا ستأتي بعد أسطر.