للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحاصل أنّ استدلالكم بهذا الحديث باطل من وجوه:

الأول: أنهم إنما حجلوا ولم يرقصوا. والحَجْل دليل الشدة والرجولية، بخلاف الرقص والتثنِّي.

الثاني: أن ذلك جرى منهم من باب الأفعال الجِبِليَّة، كالضحك. فلا يجوز اتخاذ ذلك عبادة.

الثالث: أنهم في ذلك الوقت ــ وإن كانوا بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم ــ لم يكونوا في ذكر لله تعالى. بل كانوا في محاورة معه صلى الله عليه وآله وسلم، والمحاورةُ معه حيًّا يُضْطَر معها إلى وقوع كثير من الأشياء الجِبِلّية، كالضحك وغيره. ولاسيَّما وكانوا في سفر، والسفر مما يترخّص فيه بمثل هذا ترويحًا للنفس من مشقَّته. ومن هذا مسابقته صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة في بعض أسفاره (١).

فأما الذكر وسَماع العلم فإن السنة فيه: الخشوع والخضوع والإخبات، وقد ورد في بيان الإحسان: «أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (٢).

ومن الواضح أن المؤمن إذا استشعر بأنَّ الله يراه كانت عبادته على تمام الخضوع والسكون. بخلاف ما لم يكن عبادة، كحال عليّ وجعفر وزيد.

الرابع: أن هذا وقع مرةً واحدة في عهده صلى الله عليه وآله وسلم، وأما في الفعل المطّرد في طول عهده فهو كما ورد في وصفهم: كأنما على


(١) سبق تخريجه قريبًا.
(٢) أخرجه البخاري (٥٠)، ومسلم (٨) في حديث جبريل الطويل.