للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلم، وهو إظهار الله تعالى للأنبياء وإخبار الأنبياء لأصحابهم، ونَقْل عدد التواتر من أصحابهم، ونقل عدد التواتر ممن شاهد ذلك الشيء. ومنها ما لا يُحصِّل العلم، وهو الرؤيا والتحديث، بأن يُعْلِمه المَلَك بالطريقة المذكورة في القسم الأول، أو يشاهده بنفسه، فيحدِّث به في قلب المؤمن على نحو ما مرّ (١).

ومنها الكَهَانة، وقد مرَّت حقيقتُها في القسم الأول (٢)، ولكنها هاهنا تتوسّع؛ لأن الجنّ متمكِّنون من مشاهدة الحوادث الأرضية، ومِن قَطْعِ المسافات البعيدة في المدّة القصيرة، قال الله تعالى: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [النمل: ٣٩].

وكَذِبُهم وكَذِبُ الكهّان إنما هو في القسم الأول لاحتياجهم إلى الكذب، لأنهم لا يتحصّلون بعد المخاطرة وهلاك كثير منهم إلّا على بعض الكلمات التي لا تفي بالمعنى، فيتخرَّصون الكذب لإتمام المعنى. [٢٠٥] فأما في الحوادث الأرضية فلا داعي لهم إلى الكذب، ولاسيَّما إذا علموا أنّ وليَّهم الإنسيَّ إذا كَثُر صدقُه في الإخبار عن الحوادث البعيدة اعتقد الناسُ فيه العقائد الزائفة، فإن الشياطين يحرصون حينئذٍ على صدق الحديث بمقدار حرصهم على إضلال الناس.

ويمكنهم اطلاع الشياطين على الحوادث الأرضية بالمشاهدة وبالسماع من الجن ومن الإنس ممن شاهد ذلك أو سمع به أو ظنه بطريقٍ من طرق


(١) (ص ٣٣٠ و ٣٤١).
(٢) (ص ٣٤٣).