للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن كانوا يزعمون أن ذلك في حال يقظتهم كما هو ظاهر كلام بعضهم وصريح كلام آخرين، فقد ذكروا أن سببه هو أن الإنسان إذا استعمل الرياضة ضعف جسدُه حتى يصير شبيهًا بجسد النائم، فيتأتّى له حينئذٍ في اليقظة ما يتأتّى له في النوم، فيرى صورَ الأشياء لكن لا بعينيه الشحميَّتين بل بالقوّة التي يرى بها في النوم، وهكذا السماع وغيره بحيث يُطبق عينيه فلا تمتنع الرؤية، ويسدّ أُذنيه فلا يمتنع السماع، ونحو ذلك (١).

وهذا ــ إنْ حسّنّا العبارة ــ نوعٌ من الرُّؤيا، أوَ لا ترى أنك إذا أردت تخيّل صورة شيءٍ غائب ثم أطبقت عينيك كان التخيُّل أقوى مما إذا فتحتهما، وذلك لأنّ في إطباقهما تفريغًا للنفس من الاشتغال بالمحسوسات.

وبهذا يعلم أنه كلما ازداد الإنسان بعدًا عن الاشتغال بالمحسوسات صار أقوى تخيُّلًا كما في النوم.

فمِنْ أعمال الجن: يُخيِّلون للإنسان المرئيات والمسموعات ويوسوسون في خاطره ببعض الوقائع كما مرّ. والرياضة هي السبب الوحيد لموالاة الجن والشياطين والاستعانة بهم كما هو معروف عند الوثنيين.

[٢٠٦ ب] وفي كلامٍ لابن عربي نقله الآلوسي في بعض كتبه (٢) قال: «لله تعالى ملَك موكّل بالرؤيا يسمى (الروح) وهو دون السماء الدنيا، بيده صور الأجساد التي يدرك فيها النائم نفسه وغيره، وصور ما يحدث من تلك الصور


(١) عدة كلمات ذهبت أوائلها لمجيئها في طرف الورقة. ولعلها ما اجتهدت في إثباته.
(٢) لعله في رحلته «غرائب الاغتراب». وكلام ابن عربي في «الفتوحات المكية»: (٢/ ٦).