للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول: أن الأجر والسعادة لا تتوقّف على ذلك، بل تتوقّف على أداء الواجب.

الثاني: أننا وجدنا الأنبياء عليهم السلام قد ينسون ويخطئون، كما وقع لداود عليه السلام في شأن الغنم، وفي شأن المرأتين، وغير ذلك مما قد مرَّ بعضُه (١) ــ وهم أتقى الناس ــ فإذا جاز عليهم الخطأ فغيرهم أولى بلا شكّ، وإنما يُذَكِّرهم الله تعالى لئلا يصير خطاؤهم شَرْعًا يُعمل به، وهذا منتفٍ في حقّ غيرهم.

وكذلك وجدنا الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا اختلافًا كثيرًا، ووقع منهم الخطأ، وهم أتقى الأمة بل أتقى الأمم، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠]. وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ... } الآية [الفتح: ٢٩]. وقد نزل في أبي بكر رضي الله عنه قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} (٢) [الليل: ١٧]، فشهد له القرآن أنه الأتقى، وهذا يستلزم أن يكون أتقى بني آدم ما عدا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومع ذلك فقد كان يقع منه الخطأ، بدليل مخالفة أكابر الصحابة له في كثير من الأمور كما في المسألة الأولى (٣).

وكذلك التابعون وتابعوهم المشهود لهم بأنهم خير القرون، وفيهم أكابر الأئمة كالمجتهدين الأربعة وغيرهم. وهذا واضحٌ جدًّا.


(١) لم نره فيما سبق.
(٢) انظر «الدر المنثور»: (١٥/ ٤٧٧ - ٤٧٨).
(٣) (ص ١١١ - ١١٢).