[١٢٠] والقومُ أنفسُهم مصرِّحون أنه قد تلبّس بطريقتهم مَن ليس من أهلها، وإنما قصد بذلك التستّر بجلبابها لإظهار دسائسه وتنفيذ أغراضه. وبذلك يتبين لك أنه إن كان في كلامهم حق فقد التبس بالباطل خصوصًا مع قول بعضهم كالشعراني: إن القوم ابتلوا بأعداء ينسبون إليهم ما لم يقولوه، ويزيدون في كتبهم وينقصون ويحرّفون ويبدّلون ويُغيّرون، وأنه نفسه فُعِل في كتبه ذلك كثيرًا. وبما ذُكِر تصير كتبهم أشبه بالكتب التي بأيدي النصارى واليهود، بل هي أضرّ منها؛ لأن المسلمين جميعًا عارفون بأن كتب النصارى واليهود محرَّفة مبدّلة، وقلوبهم نافرة عنها، ولا كذلك كتب هؤلاء القوم، فافهم.
[١٢٣] وهذه من الشبهات التي رابتِ الناسَ في الصوفية؛ لأن الحق كله معروف واضح، وفي الحديث:«تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها»(١). وإن كان هناك أمور قد تخفى عن الجُهّال، فلن تخفى على العلماء، والعلماء هم العارفون بكتاب الله تعالى وسنة رسوله، وإن لم يكونوا كثيري العبادات والمجاهدات.
وإن سُلِّم أن ثَمَّ أسرارًا غامضة تدِقّ عن فهم غالب الناس إلا مَن اختصه الله تعالى بالولاية، فالواجب كتمان مثل هذه الأمور، فمَن أبدى لنا صفحتَه أنكرنا عليه.
وكثير من المتأخرين ألَّفوا كتبًا فيها كلام يضادّ ظواهر الشريعة كلَّ المضادّة، وسَعوا في إماتة إنكار المنكر، وتحسين تحسين الظنّ بأقصى
(١) قطعة من حديث العرباض بن سارية: «وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... » وتقدم تخريجه.