الحركة لما كانت غير لازمة، كان الحرف في تقدير السكون، فكما أنه إذا كان ساكنا لم يجز همزه، كذلك إذا كان في حكم السكون وتقديره، ويلزم من همز ذلك أن يهمز نحو: هذا غزو، وعدو وحقو ونحو ذلك من الواوات التي قد تحرّكت بحركة الإعراب لتحرّكها بالضمة كتحرّك لترون به، بل هذه التي للإعراب أجدر بالهمز، لأن حركة الإعراب في تقدير اللزوم، فإن لم يهمز هذه الواوات أحد لمّا لم تكن الضمة لازمة، كذلك لا ينبغي أن تهمز التي في قوله: لترون ولتبلون ولا تنسوا الفضل بينكم.
وزعموا أن بعضهم كسروا لا تنسوا الفضل وقياس هذا أن يكسر التي في لتبلون، ونحوه، والتحريك بالكسر أشبه من الهمز فيها، وكلا الأمرين غامض غير فاش ولا مأخوذ به. ومن زعم أن هذه الواو في: لتبلون ولترون ونحوه، إنما حرّكت بالضم لأنها في الأصل فاعلة، فحرّكت في التقاء الساكنين بالحركة التي كانت تتحرك بها للإعراب كان قوله ظاهر الفساد، ألا ترى أنه لو كان كذلك لحركت الياء في قوله: لتخشينّ يا هذه، بالضمّ، لأنها مثل الواو في أن مظهره فاعل، وهي علامة الضمير، كما أن الواو في لتبلون كذلك، وفي أن لم يحرّك أحد ذلك بالضم، وإنما حرّكت بالكسر دلالة على فساد هذا القول، وكأن المعنى في: لترون الجحيم لترونّ عذاب الجحيم، ألا ترى أن الجحيم يراها المؤمنون أيضا بدلالة قوله: وإن منكم إلا واردها [مريم/ ٧١]، وإذا كان كذلك فالمعنى: والوعيد في رؤية عذابها لا في رؤيتها نفسها، وقال: ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب [البقرة/ ١٦٥] فذكر العذاب في هذا يدلّ على أن المعنى في الأخرى على العذاب أيضا وبناء الفعل في قوله: إذ يرون العذاب