للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واللفظ على أنهم فعلوا بكم النسيان، والمعنى: أنكم أنتم أيها المتخذون عبادي سخريّا نسيتم ذكري باشتغالكم باتخاذكم إياهم سخريا وبالضحك منهم، أي: تركتموه من أجل ذلك، وإن كانوا ذاكرين وغير ناسين، فنسب الإنساء إلى عباده الصالحين وإن كانوا «١» لم يفعلوه لمّا كانوا كالسبب لإنسائهم، فهذا كقوله: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ [إبراهيم/ ٣٦] وعلى هذا قوله: فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر/ ١٩] فأسند النسيان إليه، والمعنى على أنهم نسوا ذلك.

فأمّا قوله: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها [البقرة/ ١٠٦] فمنقول من نسيت الشيء: إذا لم تذكره، قال الفراء: والنسيان هنا على وجهين:

أحدهما: على الترك، نتركها ولا ننسخها.

والوجه الآخر: من النسيان كما قال: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ [الكهف/ ٢٤].

قال أبو علي: قول الفراء نتركها ولا ننسخها، لا يستقيم هنا، وإنما هو من النسيان الذي ينافي الذكر، ألا ترى أنه قد قال:

نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها [البقرة/ ١٠٦] وليس كل ما أخّرت «٢» من الآي فلم تنسخ «٣» ولم يبدل حكمها «٤» يؤتى بخير من المنسوخة بآية أو المنسأة، وليس المعنى: ما ننسخ من آية أو نقرّها فلا ننسخها نأت بخير منها، إنما المعنى: أنّا إذا


(١) سقطت من (ط).
(٢) في (ط): ما أخر.
(٣) في (ط): فلم ينسخ.
(٤) في (ط): حكمه.