[المبحث الثالث: منهجه في التفسير بالسُّنة.]
السُّنة مُبَيِّنة للقرآن، وهي في المرتبة الثانية بعد تفسير القرآن بالقرآن، وقد أكثر المؤلف - رحمه الله - من إيراد الأحاديث؛ للتفسير أو ترجيح الأقوال إلا أنَّه قد أُخِذَ عليه عدم عزوِ الأحاديث إلا ما ندر، وكذلك عدم الحكم على الأحاديث صحةً وضعفاً، ويورد أحاديث ضعيفة جداً، وأحياناً يذكر حديثاً، فيقول: روى الزَّجَّاج، أو رواه أبو الليث مع أنّه مُخَرَّجٌ في الصِّحاح والمسانيد.
* ففي سورة التغابن: " {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ}: قال: " فيه قولان: أحدهما: خلقكم في بطون أمهاتكم كفاراً ومؤمنين.
وجاء في التفاسير: " أن يحيى بن زكريا - عليه السلام - خُلق في بطن أمِّه مؤمناً، وأن فرعون خلق في بطن أمِّه كافراً ".
والثاني: " {خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ} بأن الله خلقه {وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} بأن الله خلقه.
والفاء يدلُّ على المعنى الثاني.
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن بني آدم خُلقوا على طبقاتٍ شتى: فمنهم مَن وُلِدَ مؤمناً ويموت مؤمناً، ومنهم مَنْ وُلِدَ كافراً ويموت كافراً، ومنهم من وُلِدَ مؤمناً ويموت كافراً ومنهم مَن وُلِدَ كافراً ويموت مؤمناً))، رواه أبو الليث في تفسيره ".
فقد عزاه لأبي الليث مع أنَّه مُخَرَّجٌ في المسند، وسنن الترمذي وغيرهما.
* وفي سورة ن والقلم: " {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} نزلت حين أراد الكفار أن يُعِينوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيصيبوه بالعين، فنظر إليه قوم من قريش، وقالوا: ما رأينا مثله، ولا مثل حُجَجِه، وكانت العين في بني أسد حتى إنَّ الرجل منهم ينظر إلى الناقة السمينة أو البقرة السمينة، ثم يَعِينُها، ثم يقول للجارية: خذي المكتل والدرهم فأتينا من لحم هذه، فما تبرح حتى تقع فتنحر.
وكان الواحد إذا أراد أن يَعِين شيئاً يجوع له ثلاثة أيام، ثم يَعْرِضُ له فيقول: تالله ما رأيت مالاً أكثر ولا أحسن من هذا فيتساقط ذلك الشيء، فأرادوا مثل ذلك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعصمه الله من ذلك.
هذا قول الجمهور.
وقال بعضهم: إنما يصيب الإنسان بالعين ما يستحسنه وتميل نفسه إليه، وكان نظرهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نظرة البغض والغيظ، وذلك ضدَّه.
وأنكر بعضهم العين أصلاً، وقالوا معنى الآية: نظروا إليك نظر عداوة وتوعّد كما يقال: نظر إليَّ نظراً كاد يأكلني به.
والقول هو الأول؛ فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن العين حقُّ، ولو كان شيء يسبق القدر لكان ذلك العين)) ".