[المبحث الثامن: منهجه في تقرير مسائل الاعتقاد.]
من خلال تفسير الكرماني يلاحظ القارئ له أنَّه تبع منهج الأشاعرة في آيات الصفات، وقد نقل بعض أقوال المعتزلة كأقوال علي بن عيسى وابن بحر دون الردِّ عليها، ومن أمثلة ذلك:
* في سورة الزمر: " {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي: ما وصفوه بوصفه الذي يجب له، وما عظَّموه حقَّ عظمته.
والقَدْر والقَدَر في اللغة: ما عليه الشيء من مساواة أو زيادة أو نقصان، فكأنَّه قال: ما أعطوه في الوصف ما استحقَّه، وما قدَّروا فيه التقدير الذي هو حقّ التقدير فيه.
في سبب النزول عن الأعمش عن علقمة عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: " أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ من أهل الكتاب، وقال: يا أبا القاسم بلغك أنَّ الله يحمل الخلائق على إِصْبِعٍ، والأرضين على إِصْبِعٍ، والسماء على إِصْبِعٍ، والبحور على إِصْبِعٍ، والثرى على إِصْبِعٍ فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه، فأنزل الله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ".
القبضة تُذكر، والمراد بها ما قبضتَ عليه بجمع كفِّك، وتُذْكَرُ والمراد بها: ما في تصرُّفك، كما يكتب في الشروط صارت الدار في مُلكه وقبضه، والتي في الآية منها؛ لأن المراد بها: شدَّة التَّمكن من مُلك الشيء، والمبالغة في القُدرة على التَّصرُّف فيه تصرُّفك في الشيء الحاصل في الكفِّ.
وقيل: المراد به قوله: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: ٤٨].
{وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} قيل: بقدرته وقوَّته، من قول الشاعر:
. . . . . . . . . . . . . . . . ... تلقَّاها عُرابةُ باليمين
وقيل: بقَسَمه؛ لأنَّه حَلف أنَّه يطويها، ويفنيها.
وقيل: بيمينه بيده، ولله يدان كلتاهما يمينان، وهذا جواب لليهود حين قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: ٦٤].
وقيل: ملكه من قولهم: مُلْكُ اليمين.
ومعنى: {مَطْوِيَّاتٌ}: مستولٍ عليها استيلاؤك على الشيء المطوي عندك وبيدك.
وقيل: {مَطْوِيَّاتٌ}: يوم القيامة، من قوله: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ} [الأنبياء: ١٠٤].
وقيل: فيه تقديم وتأخير، تقديره: والأرض جميعاً قبضته والسماوات مطويات بيمينه يوم القيامة.
والمذهب والمعتقد في هذا وأمثاله التَّنزيه عن التشبيه، والوصف بالجسم، والعَرض والكيف والكَمِّ والزَّمان، وما رواه المفسِّرون في هذه الآية فكُلُّها مؤولٌ ".
وهذا ليس على إطلاقه، وما قرره مخالف لمذهب السلف الصالح، كما سيأتي تحقيقه -بإذن الله - عند هذه الآية، ونظائرها من آيات الصفات الذي وافق فيها المؤلف مذهب الأشاعرة.