الحمد لله الذي كشف عن قلوب أهل العلم ظلمات الجهل المدلهمة، وطَهَّرَها من أدناس الرّين، وأجناس الرّيب وملأها إيماناً وحكمة. فضّل هذه الأمة وجعلها خير أمة أخرجت للناس، وأنزل لها خير كتبه، وجعله خاتماً للكتب قبله ومهيمناً عليها، وملأه نوراً وحكمة؛ لا نجاة إلا لمن تمسك به، أحمده على ألطافه ونعمه، وأشكره على جوده وإحسانه وأصلى وأسلم على خير أنبيائه ورسله نبي الرحمة والملحمة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله خص هذه الأمة أن جعلها خير الأمم، وجعلها شاهدة عليها يوم القيامة، وبعث إليهم أقربهم إليه محبة وإيثاراً، وأعظمهم لديه شرفاً ومقداراً، وأنزل عليه كتابه الكريم، وجعله نوراً وهدى للناس يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم، وجعله حجة على من ضل، ومحجة لمن اهتدى، وحث على تعلمه وتعليمه ليعم نفعه؛ فاجتهد في فهم معانيه السلف الأوائل، وبذلوا في سبيل ذلك كل غالٍ ونفيس، فأخرجوا للأمة كنوزاً عظيمة، ولآلئ ثمينة، أنارت لمن بعدهم الطريق، ويسَّرت عليهم سبيل العلم والمعرفة، فأعظم الله لهم الأجر والمثوبة، ورفعهم بكل حرف درجات عالية، ومن أولئك العلماء الإمام برهان الدين محمود بن حمزة بن نصر أبو القاسم الكرماني النحوي، المعروف بتاج القراء، أحد علماء التفسير والعربية، صاحب التصانيف النافعة في القراءات، والتفسير، والعربية وغيرها، ولعل من أفضل ماكتبه تفسيره المسمى (لباب التفاسير) الذي فَسَّر فيه القرآن الكريم الكريم كاملاً؛ ولأهمية هذا الكتاب في خدمة القرآن وعلومه أردت أن أشارك في إخراج هذا السِّفْر العظيم ليكون في متناول الباحثين، خدمة للعلم وطلابه، فكان اختياره ليكون موضوعاً لرسالة الدكتوراه وذلك بتحقيق جزء منه والذي يبدأ من أول سورة (الكهف) إلى آخر سورة (الصافات) سائلاً الله تعالى أن يكون عملاً خالصاً لوجهه الكريم.