للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سورة المُلْك (١)

ثلاثون آية (٢) (٣)، مكية (٤).

ويُقال لها: " المُنجيةُ "، تُنجي قارئَها من عذاب القبر (٥).

وجاء مرفوعاً: ((مَن قرأها في ليلةٍ فقد أطنبَ وأكثر)) (٦).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{تَبَارَكَ}: تفاعل من البركة، وكذلك تعالى، معنى علا، أي: امتدّ بقاؤه

ودام، والبركة: البقاء والدوام.

وقيل: تعالى وتعظّم؛ لأن الشيءَ إذا زادَ ارتفعَ وعظُم، والبركةُ: الزيادةُ.

وقيل: {تَبَارَكَ}: جاء من قِبَله البركة، وهي: الخير والكثرة (٧) (٨).

الَّذِينَ {بِيَدِهِ الْمُلْكُ}: يؤتيه من يشاء وينزعه ممّن يشاء، وهو الملك مالك

الملك غير المملَّك.

واليد: عبارةٌ عن القدرة والتصرّف والاستيلاء على الشيء (٩).

وقيل: اليد صلةٌ.

و {الْمُلْكُ}: مُلكُ السماوات والأرض.

وقيل: النبّوة، يُعزّ بها مَن اتّبع النبيَّ، ويُذلّ بها مَن خالفه (١٠).

{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)}: أي: من الإنعام والانتقام قدير (١١) قادر

بالكمال.

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ}: أنكر بعضهم أن يكون جنساً من المخلوقات.

وتوقف بعضهم فيه، وأثبته بعضهم عقلاً.

وهما حالتان تتعاقبان (١٢) على الإنسان وغيره، والله تعالى خالق الذوات والحالات (١٣).


(١) قال ابن عاشور: " والشائع في كتب السنة وكتب التفسير، وفي أكثر المصاحف تسمية هذه السورة سورة المُلك، وكذلك ترجمها الترمذي: باب ما جاء في فضل سورة الملك، وكذلك عنونها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه. [التحرير والتنوير (٢٩/ ٦)، وانظر: تفسير البغوي (٨/ ١٧٥)، المحرر الوجيز (٥/ ٣٣٧)].
(٢) " ثلاثون آية " ساقطة من (ب).
(٣) عند الجميع عدا أهل الحجاز، فهي إحدى وثلاثون آية في المدني الأخير والمكي [انظر: البيان في عد آي القرآن (ص: ٢٥١)، المحرر الوجيز (٥/ ٣٣٧)، التحرير والتنوير (٢٩/ ٧)].
(٤) بإجماع المفسرين كما حكاه ابن عطية وابن الجوزي. [المحرر الوجيز (٥/ ٣٣٧)، زاد المسير (٨/ ٨٦)].
(٥) كما أخرجَ الترمذي في كتاب فضائل القرآن، باب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ سُورَةِ الْمُلْكِ، برقم (٢٨٩٠) عن عبد الله بن عبَّاس - رضي الله عنهما - قَالَ ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - خِبَاءَهُ عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ لا يَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ حَتَّى خَتَمَهَا فَأَتَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي ضَرَبْتُ خِبَائِي عَلَى قَبْرٍ وَأَنَا لا أَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ الْمُلْكُ حَتَّى خَتَمَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((هِي الْمَانِعَةُ هِي الْمُنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ)). قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
(٦) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، وقد أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٨/ ٣٧) (بنحوه)، برقم (٨٥٧٢) عن عبد الله بن مسعود قَالَ: "يُؤْتَى الرَّجُلُ فِي قَبْرِهِ فَيُؤْتَى رِجْلاهُ فَيَقُولانِ: لَيْسَ لَكُمْ عَلَى مَا قِبَلَنَا مِنْ سَبِيلٍ كَانَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا سُورَةَ الْمُلْكِ، ثُمَّ يُؤْتَى جَوْفُهُ، فَيَقُولُ: لَيْسَ لَكُمْ عَلَيَّ سَبِيلٌ قَدْ كَانَ وَعَى فِيَّ سُورَةَ الْمُلْكِ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: لَيْسَ لَكُمْ عَلَى مَا قِبَلِي سَبِيلٌ كَانَ يَقْرَأُ فِيَّ سُورَةَ الْمُلْكِ"، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "فَهِيَ الْمَانِعَةُ تَمْنَعُ عَذَابَ الْقَبْرِ، وَهِي فِي التَّوْرَاةِ هَذِهِ سُورَةُ الْمُلْكِ مَنْ قَرَأَهَا فِي لَيْلَةٍ أَكْثَرَ وَأَطْيَبَ"، وأخرجه الحاكم في مستدركه (٢/ ٤٩٨) في كتاب التفسير، بلفظ " فقد أكثر وأطنب "، وقال: " صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(٧) في (أ) " وهي الكثرة والخير ".
(٨) انظر: جامع البيان (٢٩/ ١)، النُّكَت والعُيون (٦/ ٤٩).
(٩) ما ذكره المؤلف لا يمنع إثبات صفة اليدين لله تعالى، وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، وبنحو تفسيره ذكر ابن جرير - رحمه الله -: " {الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} بيده ملك الدنيا والآخرة وسلطانهما، نافذ فيهما أمره وقضاؤه، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)} يقول: وهو على ما يشاء فعله ذو قدرة لا يمنعه من فعله مانع ولا يحول بينه وبينه عجز " [جامع البيان (٢٩/ ١)]، وقال ابن كثير: " يُمَجِّدُ تعالى نفسه الكريمة، ويخبر أنه بيده الملك، أي: هو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء، لا مُعَقِّبَ لِحُكْمه، ولا يُسأل عما يفعل لقهره وحكمته وعدله، ولهذا قال تعالى: وَهُوَ {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)} " [تفسير القرآن العظيم (٤/ ٤٢٢)، وانظر: مجموع الفتاوى (٦/ ٣٧٠)، موقف ابن تيمية من الأشاعرة؛ للمحمود (٣/ ١١٥٤)، صفات الله عزَّ وجل؛ للسَّقاف (ص: ٢٧٤)].
(١٠) انظر: النُّكَت والعُيون (٦/ ٤٩).
(١١) " قدير " ساقطة من (ب).
(١٢) في (أ) " حالتان متعاقبان ".
(١٣) والصحيح: أن الموت والحياة أمران وجوديان، وأنهما مخلوقان، قال ابن كثير - رحمه الله -: ... " واستدل بهذه الآية من قال: إنَّ الموت أمر وجودي؛ لأنه مخلوق. ومعنى الآية: أنه أوجد الخلائق من العدم، ليبلوهم ويختبرهم أيهم أحسن عملا؟ " [تفسير القرآن العظيم، (٤/ ٤٢٢)]، وقال الألوسي: " والموت على ما ذهب الكثير من أهل السنة صفة وجودية تضاد الحياة، واستدل على وجوديته بتعلق الخلق به وهو لا يتعلق بالعدمي لأزلية الإعدام " [روح المعاني (٢٩/ ٤)، وانظر: شرح العقيدة الطحاوي؛ لابن أبي العز (١/ ٩٣)].

<<  <   >  >>