للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونعود الآن إلى مسألة مذهب الكرماني العقدي، فرغم التشابه الكبير والمعروف بين الأشاعرة والماتريدية، إلا أن العلماء قد ذكروا عدداً من المسائل التي يمكن التفريق فيها بين المذهبين، بل قد كتبت بعض المؤلفات حول هذه الفروق (١)، وكان اهتمامي كبيراً بدراسة هذه الفروق عند الكرماني، واستخلصت عدداً من النقاط التي ترجح - فيما أرى - ميل الكرماني للمذهب الأشعري، وهذه النقاط كالتالي:

١ - قال الكرماني في أثناء تفسير الآية (١٧٣) من سورة الأعراف: (وهذا دليل على أن التقليد في التوحيد كفر).

وهذا القول هو قول الأشاعرة، إذ يرون عدم صحة إيمان المقلد، بينما خالفهم الماتريدية (٢).

٢ - قال الكرماني في أثناء تفسير الآية (١٦٤) من سورة النساء: ({وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى} من غير واسطة {تَكْلِيمًا} قيد بالمصدر قطعاً للمجاز).

وهذه المسألة تعرف عند الأشاعرة والماتريدية بأنه: هل يجوز أن يُسْمَعَ كلام الله تعالى أم لا؟ فالأشعرية على الجواز، والماتريدية على عدم الجواز (٣)، والذي يظهر من تفسير الكرماني أنه يرى رأي الأشاعرة.

٣ - قال الكرماني في أثناء تفسيره الآية (٢٨٦) من سورة البقرة: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال الكرماني: (وقيل: ولا تكلفنا ما لا نطيق، وهذا أظهر)، وظهر لي من هذا التفسير أن الكرماني يرى أنه يجوز التكليف بما لا يطاق وهؤلاء يدعون الله بأن لا يكلفهم ما لا يطيقون، ومسألة التكليف بما لا يطاق من المسائل الخلافية بين الأشاعرة والماتريدية، فالأشاعرة على جواز أن يكلف الله العباد بما لا يطاق، والماتريدية على المنع (٤).

وقد وقع الكرماني في التأويل المذموم، حيث أوَّل عدداً من آيات الصفات، فقد أوَّل الرحمة بأنها إرادة الخير بالعباد (٥)، وأوَّل صفة الغضب، حيث قال:


(١) منها على سبيل المثال: القصيدة النونية لتاج الدين السبكي، وهي موجودة في «طبقات الشافعية الكبرى»، وكتاب «الروضة البهية في ما بين الأشاعرة والماتريدية» لأبي عذبة، وكتاب «نظم الفرائد» لشيخ زاده، وغيرها من الكتب، وقد طبعت الكتب الثلاثة المذكورة في كتاب واحدة اسمه: المسائل الخلافية بين الأشاعرة والماتريدية.
(٢) ينظر كتاب: «الماتريدية - دراسة وتقويماً» للدكتور أحمد الحربي (ص ٥٠١).
(٣) ينظر كتاب «الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات» للشمس السلفي الأفغاني ١/ ٤٢٣.
(٤) ينظر كتاب «الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات» ١/ ٤٢٦.
(٥) انظر تفسيره للبسملة في أول الفاتحة.

<<  <   >  >>