للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقال لها: المُرَيْسِيع (١)، فأرسل عبد الله بن أُبيّ (٢) غُلامَه ليستقي الماء فأبطأ عليه فلمَّا أتاه قال: ما حَبسك؟ قال: غلامُ عُمر - رضي الله عنه - قعد على رأس البئر، فما ترك أحداً يستقي حتى ملأ قِرَبَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقِرَب أبي بكر، وملأ لمولاه - رضي الله عنهما -، فقال ... عبد الله: ما مثلنا ومثل هؤلاء، إلا كما قيل: سَمِّن كَلبك يأكلك ".

فبلغ قوله عمر - رضي الله عنه - فاشتمل بسيفه يريد التَّوجه إليه فأنزل الله هذه الآية " (٣).

وعن ميمون بن مِهران (٤) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: " لما نزلت ... {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: (٢٤٥)، الحديد: (١١)] قال يهودي بالمدينة يقال له: فنحاص بن عازوراء احتاج ربُّ محمد، فبلغ ذلك عمر فاشتمل على سيفه، وخرج في طلبه فجاء جبريل - عليه السلام - وأنزل: {قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا} (٥).

{لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ}: لا يخافون مثل عقوبات الأيام الخالية، والعرب تعبِّر (٦) عن الوقائع بالأيام كيوم أُحُدٍ (٧) ويوم حُنَين (٨) (٩).

وقيل: {لَا يَرْجُونَ}: لا يطمعون في أيام الله نصرة الله لأولياء الله.

وقيل: لا يطمعون في أيام الله التي وعدها الله المؤمنين في الجنة، أضاف إلى الله كبيت الله.

ومعنى: {يَغْفِرُوا} ها هنا يعفوا ويصفحوا (١٠).

وجزمه على جواب قوله: {قُلْ} على اللفظ (١١).

وقيل: على إضمار أمر أي: وهو اغفروا يَغْفِروا (١٢)، وقيل: بإضمار اللام أي: ليغفروا، والقول الأول فيه ضعف (١٣).

{لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)}: أي ليجزيهم الله على فعلهم.

وقُرئ {لِيُجْزَى قَوْمَاً} (١٤) أي (١٥) ليجزى الخير والشر قوماً.

ومن قال: ليجزي الجزاء قوماً ففي قوله ضعفٌ.


(١) المُرَيْسِيع: ماء لبني المصطلق من خزاعة بناحية قُدَيد جنوب المدينة، وهي معروفة الآن بهذا الاسم. [معجم ما استعجم (٤/ ١٢٢٠)، معجم الأمكنة (ص: ٤٠٢)].
(٢) عبد الله بن أُبي بن مالك بن الحارث بن عبيد الخزرجي، أبو الحُباب، المشهور بابن سَلُوْل، وسَلُوْلٌ جَدَّته لأبيه، رأس المنافقين في الإسلام، وكان سيِّد الخزرج في آخر جاهليتهم، وأظهر الإسلام تقيّة، وكان كلَّما حلَّت بالمسلمين نازلة شمت بهم، وكلَّما سمع بسيئة نشرها، مات في السّنة التاسعة من الهجرة، فصلَّى عليه رسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يُصَلِّ بعدها على منافق؛ لأنَّ الله أنزل: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (٨٤)} [التوبة: ٨٤] [انْظُر تَرْجَمَتَهُ: أسد الغابة (١/ ١٣٢)، شَذَرات الذَّهب (١/ ١٣)، الأعلام (٤/ ٦٥)].
(٣) انظر: أسباب النزول؛ للواحدي (ص: ٣١٢)، تفسير السَّمعاني (٥/ ٤٤٤)، زاد المسير (٧/ ١٦٢).
(٤) هو الأعمش، وقد تقدَّمت ترجَمَته (ص: ١٧٧).
(٥) أخرجه الثعلبي في تفسيره (٨/ ٣٥٩)، والواحدي في أسباب النزول (ص: ٣١٢)، وأورده ابن الجوزي في زاد المسير (٧/ ١٦٢).
(٦) في (أ) " والعرب يُعبّر ".
(٧) أُحُد: اسم الجبل الذي كانت عنده غزوة أحد وهو مرتجل لهذا الجبل، وهو جبل بينه وبين المدينة قرابة ميل في شماليها، وقد أصبح الآن داخل النطاق العمراني للمدينة النبوية، وعنده كانت الوقعة التي كانت بين المسلمين وكفار قريش، والتي قتل فيها حمزة عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وسبعون من المسلمين وكسرت ربَاعية النبي - صلى الله عليه وسلم - وشجَّ وجهه الشريف، وكُلِمت شَفَتَه، وكان يوم بلاء وتمحيص، وذلك لسنتين وتسعة أشهر وسبعة أيام من مهاجرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو في سنة ثلاث " [انظر: معجم البلدان (١/ ١٠٩)، معجم الأمكنة (ص: ١٩)].
(٨) حُنَين: هو وادٍ قريب من الطائف بينه وبين مكة، يبعد عن حدود الحرم أحد عشر كيلاً، ويعرف اليوم بالشرائع. ... [انظر: معجم ما استعجم (١/ ٤٧١)، معجم الأمكنة (ص: ١٩٥)].
(٩) انظر: تفسير مقاتل (٣/ ٢١٢)، جامع البيان (٢٥/ ١٤٤)، تفسير السمرقندي (٣/ ٢٦٤).
(١٠) انظر: تفسير مقاتل (٣/ ٢١٢)، تفسير السمرقندي (٣/ ٢٦٤)، النكت والعيون (٥/ ٢٦٢).
(١١) وهو رأي الفرَّاء [انظر: معاني القرآن؛ للفرَّاء (٣/ ٤٥)].
(١٢) في (أ) " اغفروا تغفروا ".
(١٣) انظر: إعراب القرآن؛ للنَّحاس (٤/ ٩٥)، غرائب التفسير (٢/ ١٠٨٦).
(١٤) وهي قراءة أبي جعفر، قال الفراء: " وهو في الظاهر لَحنٌ، فإن كان أضمر في " يُجزَى " فعلاً يقع به الرفع، كما تقول: أعطي ثوباً ليُجزى ذلك الجزاء قوماً، فهو وجه " [انظر: معاني القرآن (٣/ ٤٦)، وانظر: جامع البيان (٢٥/ ١٤٥)، شواذ القراءات (٤٣٣)، النشر (٢/ ٢٧٨)، إتحاف فضلاء البشر (ص: ٥٠٢)].
(١٥) " أي " ساقطة من (أ).

<<  <   >  >>