للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: قدّم بمعنى: تقدَّم، نحو: علّقتُ الشيءَ وتعلّقتُه، وبنيتُه وتبيّنته.

ومعناه: لا تُقدِّموا بالقول ولا بالفعل بين يدي الله ورسولِه (١)، ولا تمشوا أمامَه (٢)، ولا تُمكِّنوا أحداً يمشي أمامَه؛ ليكونوا تابعينَ له في التقديم والتقدُّم.

وقوله: {بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}: ذُكِرَ اللهُ للتعظيم، وقيل: لأنَّ التقديمَ بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالتقديم بين يدي الله.

وقيل: معناه: لا تُخالفوا كتابَ الله وسنةَ رسوله.

{وَاتَّقُوا اللَّهَ}: في التقديم.

{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ}: لأقوالكم {عَلِيمٌ (١)}: بأفعالكم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} في سبب النزول: أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شمَّاس - رضي الله عنه - (٣) كان في أذنيه وَقر وكان جَهْوَرِيَّ الصوت، فكان يتأذَّى (٤) رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بصوته، فلمَّا نزلت هذه الآية قال ثابت: أنا الذي أرفع صوتي فوقَ صوت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنا من أهل النار، فذُكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((بل هو من أهل الجنة)) (٥).

هذا تأديبٌ من الله سبحانه، أي: إذا كلمتموه فليكن كلامُكم أخفضَ من كلامه لكم.

{وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}: قيل: هو تكرارٌ؛ لأنَّ الجهرَ بالقول هو (٦): إعلاءُ الصوت ورفعُهُ به.

وقيل: معناه - وهو قول الجمهور - لا تخاطبوه باسمه وكنيته كما يخاطِبُ بعضُكم بعضاً، بل خاطبوه بالنبوة والرسالة، وقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله (٧).

وقيل: لا تجهروا عليه.

{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ}: كراهةَ أنْ تَحبط، ولئلاّ تَحبط أعمالُكم (٨)؛ لأنَّ ذلك - إذا كان عن قصدٍ بعد النهي - كفرٌ؛ لأن فيه استخفافُ بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك محبطٌ.

{وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)}: أنه محبطٌ.

{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ}: في سبب النزول: " أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال: آليتُ على نفسي أنْ لا أكلمَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إلا كأخي السِّرار، فنزلتْ فيه هذه ... الآية " (٩).

وكان عمر - رضي الله عنه - بعد هذه الآية لا يُسمِعُ رسولَ الله حتى يستفهمه، وروي يستأذنه (١٠) (١١).

ومعنى: {يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ}: يخفضونها في مجلسه تعظيماً له.

{أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}: أخلص قلوبهم (١٢).


(١) هذا المعنى على قراءة الجمهور.
(٢) هذا المعنى على قراءة يعقوب.
(٣) ثابت بن قيس بن شماس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج، يكنى أبا محمد، وقيل: أبا عبد الرحمن. خطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - والأنصار، وكان من نجباء أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - والمشهود لهم بالجنة، ولم يشهد بدراً، وشهد أحداً، وبيعة الرضوان، وكان جهير الصوت، خطيباً، بليغاً، فلما كان يوم اليمامة انهزم الناس، فقال ثابت - رضي الله عنه -: " أف لهؤلاء ولما يعبدون! وأف لهؤلاء ولما يصنعون! يا معشر الانصار! خلوا سنني لعلي أصلى بحرها ساعة، ورجل قائم على ثلمة، فقتله وقتل ". [انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ: الاستيعاب (١/ ٢٧٦)، سير أعلام النبلاء (١/ ٣٠٨)].
(٤) في (أ) " ينادي ".
(٥) أخرجه البخاري (بنحوه) في صحيحه، في كتاب التفسير، باب: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآية، برقم (٤٨٤٦) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، وأخرجه الواحدي في أسباب النزول (ص: ٣١٧).
(٦) " هو " ساقطة من (أ).
(٧) انظر: تفسير مقاتل (٣/ ٢٥٧)، جامع البيان (٢٦/ ١١٧)، النكت والعيون (٥/ ٣٢٦).
(٨) " أعمالكم " ساقطة من (أ).
(٩) أخرجه الحاكم في مستدركه في كتاب التفسير - سورة الحجرات - (٢/ ٤٦٢) عن أبي هريرة، وقال: " صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه " وخالفه الذَّهبي؛ لأن فيه حسين بن عمر، وهو واهٍ.
(١٠) " وروي يستأذنه " ساقطة من (ب).
(١١) هذا من كلام عبد الله بن الزُّبير -رضي الله عنهما - تتمة لقصة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - في صدر السورة، وقد أخرج ذلك البخاري في كتاب التفسير - سورة الحجرات - باب {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ... }، برقم (٤٨٤٥) والواحدي في أسباب النزول (ص: ٣١٨).
(١٢) انظر: جامع البيان (٢٦/ ١٢٠)، معاني القرآن؛ للزَّجاج (٥/ ٢٧).

<<  <   >  >>