للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} (١): في بعض التفاسير: أنَّه لمَّا نزلت الآيةُ الأولى جاءت هؤلاء الأعراب، وحلفوا أنهم مؤمنون معتقدون، فنزلت: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} (٢)، استفهام توبيخ، أي: كيف تُعلمونه بدينكم؟!

{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦)}: لا يخفى عليه خافيةٌ.

و" عَلِمَ ": يأتي بمعنى (أعلم)، وهو الذي في الآية (٣).

وعلَّم في الأصل: إفادةُ العلم على التدريج والمعالجة الشديدة (٤)، وقيل: التعليم: تعريضُ مَن لا يعلم بإفهام المعنى لأنْ يعلم.

والباء في {بِدِينِكُمْ} للسبب.

{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا}: سبب نزوله ما سبق.

الزَّجَّاج في جماعةٍ: نزلتْ في قومٍ من المؤمنين منُّوا بإيمانهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقديره: يَمُنُّون عليك بإسلامهم (٥).

{قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ}: أي: بإسلامكم.

{بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ}: أي: المِنّةُ لله عليكم.

{أَنْ هَدَاكُمْ}: بأنْ هداكم؛ وقيل: لأنْ هداكم، وقيل: هو نصبٌ.

{لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٧)}: في إيمانكم، أي: فلستم صادقين، ولو كنتم مؤمنين صادقين، لكانت المنةُ لله، لا لكم.

قال بعضُ المفسرين: وهذا دليلٌ على أن الإيمانَ والإسلامَ واحدٌ، ولو كانا غَيْرينِ ما كان للكلام وجهٌ (٦).

المنُّ: يُذْكرُ، ويراد به (٧): التحمُّدُ بالنِّعمة، وهو مذمومٌ من العباد.

ويُذْكرُ: ويُرادُ به (٨) الإنعامُ، وعليه وصفَ الله بأنَّه (٩) منَّانٌ (١٠).

وقوله: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ}: أي: أنعم عليكم.

وقيل: {بَلِ اللَّهُ}: أحقُّ بالتحمُّد بالنعمة.

{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: ما غاب فيهما عنكم.

{وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (١٨)}: هم (١١)، و {تَعْمَلُونَ} أنتم.

وفي الآية ذِكْرُ الغَيبة والحضور، فحسُنَ الوجهان (١٢). والله أعلم.


(١) في (أ) " {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ} باللسان والتصديق بالقلب ثم بالعمل الصالح {بِدِينِكُمْ} " ولعلها مكررة.
(٢) انظر: تفسير السمرقندي (٣/ ٣١٤)، النُّكت والعيون (٥/ ٣٣٨)، تفسير الوجيز (٢/ ١٠٢٠).
(٣) انظر: زاد المسير (٧/ ٢٣١)، الكُلِّيات (ص: ٦١٠).
(٤) في (ب) " الشَّديد ".
(٥) انظر: معاني القرآن؛ للزَّجَّاج (٥/ ٣٣)، وفيه قال الزَّجَّاج: " والأشبه - والله أعلم - أن يكون في قوم من المنافقين ".
(٦) انظر: غرائب التفسير (٢/ ١١٢٦).
(٧) في (ب) " والمراد به ".
(٨) في (ب) " والمراد به ".
(٩) في (ب) " لأنه ".
(١٠) انظر: الوجوه والنظائر (ص: ٧٣٦).
(١١) هذا على قراءة من قرأ بالياء {يَعْمَلُونَ} وهي قراءة ابن كثيرٍ وحده، والجمهور بالتاء {تَعْمَلُونَ} ... [انظر: السبعة (ص: ٦٠٦)، تفسير السمرقندي (٣/ ٣١٤)، التيسير (ص: ١٦٤)].
(١٢) في (ب) " فحسن وجهان ".

<<  <   >  >>