للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أرجلهم ينتظرون أنْ يُوسَّعَ لهم، فلم يُفسحوا لهم، وشقَّ ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان يُكرمُ أهلَ بدرٍ من المهاجرين والأنصار، فقال لمن حولَه من غير أهل بدرٍ:

((قم يا فلانُ، وأنتَ يا فلانُ))، فأقام من المجلس بقدر القوم الذين قاموا بين يديه من أهل بدرٍ، فشقَّ ذلك على مَن أُقيم من مجلسه، وعَرف رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الكراهةَ في وجوههم، وقال المنافقون للمسلمين: ألستم تزعمون أن صاحبَكم يعدل بين الناس، فو الله ما عدل على هؤلاء القوم، أخذوا مجالسَهم، وأحبُّوا القُربَ من نبيّهم، فأقامهم وأجلس مَن أبطأَ عنهم مكانَهم، فأنزل اللهُ تعالى هذه الآيةَ " (١).

الكلبيُّ: " عن أبي صالحٍ (٢) عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - ": أنها نزلت في ثابت بن قيس " (٣). وقد سبق في سورة الحجرات (٤).

مجاهد: " هذا في مجلس النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خاصّة " (٥).

وقيل: عامٌّ في مجالس الخير كلِّها (٦).

الحسن: " ذلك في الغزو " (٧) (٨).

{فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ}: ذلك المجلس، بإزالة وَحشة التضايُق، وتطييب النفوس به.

وقيل: {يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ}: في الجنة.

وقيل: {يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} (٩): في القبر.

وقيل: {يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} بأنْ يخلُق هناك سعةً تسعُكم (١٠).

{وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا}: ارتفعوا في المجلس.

وقيل: ذلك عند النهوض من المجلس، ومعناه: قوموا.

وقيل: هو عن الدعاء إلى كلّ خيرٍ.

وقيل: هو الصلاة.

وقيل: ذلك عند القتال مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصّةً (١١).

{فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}: ذهب بعضُهم إلى أن الدرجات الأولى: العلمُ خاصّةً، أي: يرفع الله الذين آمنوا منكم، ويرفع الذين أوتوا العلمَ درجاتٍ.

وروى الزجّاجُ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عبادةُ العالمِ يوماً تعدِلُ عبادةَ العابد أربعين سنةً)) (١٢).

وقيل: تقديره: يرفع الله الذين آمنوا (١٣) منكم لإيمانه وطاعته درجةً ومنزلةً، ويرفع الذين أوتوا العلمَ من المؤمنين على مَن ليس بعالمٍ درجاتٍ (١٤).


(١) انظر: تفسير مقاتل (٣/ ٣٣٣)، أسباب النزول؛ للواحدي (٣٣٩)، تفسير البغوي (٨/ ٥٧).
(٢) أبو صالح: باذام، ويقال: باذان الكوفي، حدَّث عن مولاته، أمُّ هانئ بنت أبي طالب، وأخيها علي، وأبي هريرة، وابن عباس، وحدث عنه أبو قلابة، والأعمش، والسُّدي، ومحمد بن السائب الكلبي.
قال عنه يحيى بن معين: " ليس به بأس، وإذا حدَّث عنه الكلبي فليس بشيء "، وقال ابن عدي: " عامة ما يرويه تفسير وما أقل ماله من المسند، وفي ذلك التفسير ما لم يتابعه عليه أهل التفسير، ولم أعلم أحداً من المتقدمين رضيه، وقال عنه ابن حجر في التقريب: " ضعيفٌ مُدَلِّسٌ، يرسل، من الثالثة "، ولم أقف على تاريخ وفاته.
[انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ: سير أعلام النبلاء (٥/ ٣٧)، تهذيب التهذيب (١/ ٣٦٤)، تقريب التهذيب (ص: ١٢٠)].
(٣) انظر: تفسير البغوي (٨/ ٥٧).
(٤) انظر: (ص: ٥٦٢).
(٥) انظر: جامع البيان (٢٨/ ١٧)، النُّكت والعيون (٥/ ٤٩٢).
(٦) وهو قول قتادة [انظر: النُّكت والعيون (٥/ ٤٩٢)، تفسير القرآن العظيم (٤/ ٣٤٦)].
(٧) انظر: النُّكت والعيون (٥/ ٤٩٢)، البحر المحيط (١٠/ ١٢٧).
(٨) وقول قتادة هو الظاهر من معنى الآية، وقد اختاره غير واحدٍ من المحقِّقين، قال القرطبي: " قلت: الصَّحيح في الآية: أنها عامَّة في كل مجلس اجتمع المسلمون فيه للخير والأجر، سواء كان مجلس حرب أو ذكر ... أو مجلس يوم الجمعة، فإن كل واحد أحق بمكانه الذي سبق إليه قال - صلى الله عليه وسلم -: "من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به"، ولكن يوسع لأخيه ما لم يتأذ بذلك فيخرجه الضيق عن موضعه ". [الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ٢٨٣)، وانظر: جامع البيان (٢٨/ ١٨)، البحر المحيط (١٠/ ١٢٧)].
(٩) " وقيل: {يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} ... " ساقطة من (ب).
(١٠) انظر: جامع البيان (٢٨/ ١٨)، البحر المحيط (١٠/ ١٢٧).
(١١) انظر: جامع البيان (٢٨/ ١٨)، النُّكت والعيون (٥/ ٤٩٢)، زاد المسير (٨/ ١١).
(١٢) انظر: معاني القرآن (٥/ ١١٠)، ولفظ الزجَّاج: " ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " عبادة العالم يوماً واحداً تعدل عبادة العابد الجاهل أربعين سنة "، ولم أقف على تخريج له.
(١٣) " آمنوا " ساقطة من (ب).
(١٤) انظر: جامع البيان (٢٨/ ١٩)، النُّكت والعيون (٥/ ٤٩٢)، الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ٢٨٥).

<<  <   >  >>