للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أهلكنا في الجاهلية، ثم تكاثروا بالأموات فكثرت بنو سهم بني عبد مناف، فأنزل الله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} (١) (٢).

الزَّجَّاج وغيره: وهو عام فيمن يبلغ بهم حب الدنيا والحرص على الإكثار فيها , حتى يغفلوا عن طاعة الله , فيموتوا على ذلك , يقال لهم: هذا في الآخرة إذا خفّت موازينهم شُغلتُم بالإكثار من الدنيا عن طاعة الله حتى متم (٣).

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ هذه السورة، فقال: ((ابنُ آدم يقول: مالي مالي وإنما لك من مالك ما أكلتَ فأفنيتَ أو لبستَ فأبليت أو أعطيت فأمضيتَ، ولو أن لابن آدم واديين من مالٍ لا بتغى إليهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوبُ الله على من ... تاب)) (٤).

{كَلَّا}: أي: ليس الأمر الذي ينبغي أن تكونوا عليه التكاثر.

وقيل: توكيد ينوب عن اليمين.

وقيل: ردع وزجر عن التكاثر افتخاراً.

{سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣)}: ستعلمون (٥) بعد هذا أن الاشتغال بطلب الإكثار خطأ ... عظيم.

{ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤)}: التكرار تأكيد للوعيد، وتغليظ للمنهي عنه.

وقيل: إنهما في وقتين، أحدهما في القبر، والآخر في القيامة.

وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ... (٦) إنه قال: " ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} إلى قوله: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} " (٧)؛ لأنه وعيد بعذاب القبر.

وقيل: الأول: للكفار، والثاني: للمؤمنين.

ثم قال: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ}: أيها الناس ما لكم وعليكم.

{عِلْمَ الْيَقِينِ (٥)}: علماً يقيناً , وهو ما يثلج به الصدر بعد اضطراب الشك.

وجواب {لَوْ} محذوف , تقديره: لشغلكم ذلك عن غيره.

قتادة: " علم اليقين أن يعلم الإنسان أن الله باعثه بعد الموت " (٨).

{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦)}: اللام لام القسم. أقسم الله تعالى أنهم يرون الجحيم.

{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (٧)}: عيناً لستم عنها بغائبين. والتكرار تأكيد.

وقيل: الأول: قبل الدخول، والثاني: بعد الدخول.

وقيل: الأول: من رؤية العين، والثاني: من رؤية القلب.

{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)}: ابن مسعود - رضي الله عنه -: " عن الصحة والأمن فيم أفنيتموهما؟ " (٩).


(١) انظر: تفسير مقاتل (٣/ ٥١٤)، معاني القرآن؛ للفراء (٣/ ٢٨٧)، أسباب النزول؛ للواحدي (ص: ٣٧٥).
(٢) انظر: معاني القرآن؛ للزَّجَّاج (٥/ ٢٧٣)، النُّكت والعيون (٦/ ٣٣٠)، زاد المسير (٨/ ٣١٤).
(٣) انظر: معاني القرآن؛ للزَّجَّاج (٥/ ٢٧٣)، الجامع لأحكام القرآن (٢٠/ ١٦٩)، تفسير القرآن العظيم (٤/ ٥٨٣).
(٤) أخرجه الترمذي (بنحوه) في جامعه، كتاب التفسير، باب: ومن سورة {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}، برقم (٣٣٥٤) ولفظه عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقْرَأُ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} قَالَ: ((يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ أَوْ أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ))، قَالَ أَبُو عِيسَى: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَن صَحِيحٌ "، وأخرجه ابن جرير في جامع البيان (٣٠/ ٢٨٤)، والحديث:
أصله في الصحيحين، فقد أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الرقاق، باب: ما يتقى من فتنة المال، برقم (٦٤٣٦)، عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - ومسلم في كتاب الزَّكاة، باب: لو أنَّ لابن آدم واديين لا بتغى ثالثاً، برقم (٤٢١٢) عن أنسٍ - رضي الله عنه -، وليس فيهما أنَّه قرأ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}.
(٥) في (أ) " سيعلمون ".
(٦) في (أ) " عن علي رضي الله عنه ".
(٧) أخرجه الترمذي في سننه في كتاب التفسير، باب: ومن سورة {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}، برقم (٣٣٥٥)، وابن جرير في جامع البيان (٣٠/ ٢٨٤)، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (١٠/ ٣٤٥٩).
(٨) انظر: تفسير الصنعاني (٣/ ٣٩٣)، جامع البيان (٣٠/ ٢٨٥).
(٩) انظر: جامع البيان (٣٠/ ٢٨٥)، تفسير ابن أبي حاتم (١٠/ ٣٤٦٠)، النُّكت والعيون (٦/ ٣٣٢)،

<<  <   >  >>