للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو كان الإسلام رسالة روحية بالمعنى المفهوم لهذا اللفظ - المعنى الوجداني الخالص الذي لا شأن له بواقع الحياة اليومي - ففيم إذن كان هذا الحشد الهائل من التشريعات والتوجيهات في القرآن والحديث؟!! وفيم إذن يقول الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: ٧)، ثم يعقب في نفس الآية بالتهديد للمخالفين: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

فيم هذا كله إذا كانت المسألة هي «تنظيف القلب» ليس غير؟!

إن تنظيف القلب البشري مهمة ضخمة دون شك. مهمة تحتاج إلى رسول. وإنها - حين تنجح - هي الضمان الأول لسلامة الحياة كلها واستقامتها ونظافتها. فإن أخفقت، فلا ضمان! والإسلام يوجه لهذا القلب أكبر عناية يمكن أن يوجهها إليه نظام أو دين. فهو يربطه دائما بالله، ويوجهه دائمًا لخشيته وتقواه والعمل على رضاه. ثم هو يتتبع هذا القلب في كل نزعة من نزعاته، وكل ميل من ميوله، في الأعمال الظاهرة والمشاعر المستترة، في السر الذي يخفى على الناس ولا يخفى على الله، بل فيما هو أخفى من السر، من المشاعر الساربة في حنايا الضمير.

يتتبعه في كل ذلك، عملًا عملًا وخاطرًا خاطرًا وفكرة فكرة، فينظفها بخشية الله، والحياء من رقابته الدائمة التي لايغيب عنها شيء في الأرض ولا في السماء، ويوجهه إلى صفحة الكون الواسعة، وما فيها من آيات الله - سبحانه وتعالى -، ليَمْسَح عنه الغلظة التي تحجر المشاعر، والغبش الذي يحجب عنه النور، ويطلقه من إسار الشهوات والضرورات التي تُثْقِله وتشده إلى الأرض، لينطلق خفيفًا صافيًا شفيفًا يسبح الله ويفرح بهداه.

نعم، يبذل الإسلام ذلك الجهد الضخم كله «لتنظيف القلب»، ومن صميم مهمة الدين إذن في تنظيف القلب كانت هذه التشريعات وهذه التوجيهات التي تتناول الأسرة والمجتمع، وسياسة الحكم، وسياسة المال.

<<  <  ج: ص:  >  >>