للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن الواقع أن هذه العقوبات الرادعة؛ لا تكاد تنفذ إلا في نطاق محدود، وعلى أعداد يسيرة غارقة في الفساد، ومتأصلة في الشر والإفساد، وفي إيذاء الأمة، وزعزعة أمنها واستقرارها.

الشبهة الثامنة:

العقوبات الشرعية قديمة وجامدة قد عفّى عليها الزمان، وتجاوزتها الحضارة، ولم تعد ملائمة لهذا العصر، عصر التقدم والمدنية، والتحضر التقني والصناعي. فالأخذ بها تقهقر للإنسانية الراقية، ورجعة بها إلى عهود الظلام الدامس، والقرون الوسطى. ولئن كانت هذه العقوبات صالحة للبيئة البدوية التي نزل فيها القرآن، ومناسبة لأولئك الحفاة الجفاة من الأعراب قبل ألف وأربعمائة عام؛ فإنها لا تصلح للعالم المتحضر الحديث، ولا تناسب المتحضرين المتمدينين في القرن العشرين، وكيف يليق بهم أن يخضعوا لقانون نشأ بين جبال مكة والمدينة، وجلاميد الصحراء، وأحراش الجزيرة.

الجواب:

هذا قول متهافت ساقط من وجوه:

١ - أن العاقل المنصف لا يزن الأحكام والتشريعات بالزمان الذي صدرت فيه أو نُقلت منه، ولا بالبقعة التي جاءت منها أو كانت فيها، ولكن الميزان الذي تُقَوّم به هو مدى صلاحيتها، وتحقيقها للغاية المبتغاة منها.

فالعاقل نصير الحق، وناشد الحكمة أنَّى وجدها، ومن أي شخص جاء بها، وفي أي زمان أو مكان وقعت فيه. وهو عدو الباطل، بصرف النظر عن مصدره وعن زمانه ومكانه، ومن دعا إليه وعمل به.

وعليه؛ فليس كل قديم مردودًا، ولا كل جديد مقبولًا، ولا كل ما نشأ في البادية فاسدًا، ولا كل ما نشأ في الحضر صالحًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>