قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا»؛ فلو كانوا داخلين في الآية من قَبْل لَمَا دعا لهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث بذهاب الرجس والتطهير، ولَمَا خاطَبَ اللهَ - سبحانه وتعالى - بقوله:«اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِى»، فالله - سبحانه وتعالى - قد بَيَّنَ في الآية أن المخاطَب هن نساء الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يمكن أن يقصد من قوله:«اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِى» أنه يريد تعريف الله - سبحانه وتعالى - مَن هُم أهل بيته، ولكن أراد مِن ربّه ضَمَّهُم لأهل البيت.
ولذلك عندما أرادت أُمُّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - أن تدخل تحت الكساء قال لها - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ» أي أنك قد ذُكِرْتِ بالآية فلا حاجة لدخولك تحت الكساء، وإنما أطلب من الله أن يضيف هؤلاء إلى أهل البيت.
مُجملُ عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة في أهل البيت:
عقيدةُ أهل السُّنَّة والجماعة وسَطٌ بين الإفراطِ والتَّفريط، والغلُوِّ والجَفاء في جميعِ مسائل الاعتقاد، ومِن ذلك عقيدتهم في آل بيت الرَّسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإنَّهم يَتوَلَّونَ كلَّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نَسْل عبد المطلِّب، وكذلك زوجات النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - جميعًا، فيُحبُّون الجميعَ، ويُثنون عليهم، ويُنْزلونَهم منازلَهم التي يَستحقُّونَها بالعدلِ والإنصافِ، لا بالهوى والتعسُّف، ويَعرِفون الفضلَ لِمَن جَمع اللهُ له بين شرِف الإيمانِ وشرَف النَّسَب، فمَن كان من أهل البيت من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإنَّهم يُحبُّونَه لإيمانِه وتقواه، ولصُحبَتِه إيَّاه، ولقرابَتِه منه - صلى الله عليه وآله وسلم -.
ومَن لَم يكن منهم صحابيًّا، فإنَّهم يُحبُّونَه لإيمانِه وتقْواه، ولقُرْبِه من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويَرَون أنَّ شرَفَ النَّسَب تابعٌ لشرَف الإيمان، ومَن جمَع اللهُ له بينهما فقد جمع له بين الحُسْنَيَيْن، ومَن لَم يُوَفَّق للإيمان، فإنَّ شرَفَ النَّسَب لا يُفيدُه شيئًا، وقد قال الله - عز وجل -: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}(الحجرات: ١٣)، وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: “ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ “. (رواه مسلم). ومعناه أنَّ العملَ هو الذي يَبلُغُ بالعبدِ درجات الآخرة، كما قال تعالى:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا}(الأنعام: ١٣٢)، فمَن أبطأ به عملُه أن يبلُغَ به المنازلَ العاليةَ عند الله تعالى لَم يُسرِع به نسبُه، فيبلغه تلك