فإن العبد إذا أيقن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بحاله ولم يجد في قلبه حسدا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ»(رواه مسلم).
(انْظُرُوا إِلَى من هُوَ أَسْفَل مِنْكُم) فِي أُمُور الدُّنْيَا، (وَلَا تنظروا إِلَى من هُوَ فَوْقكُم) فِيهَا (فَهُوَ أَجْدَر) أَي فالنظر إِلَى من هُوَ أَسْفَل لَا إِلَى من هُوَ فَوق حقيق (أَن لَا تَزْدَرُوا) أَي بِأَن لَا تحتقروا (نعْمَة الله عَلَيْكُم) فَإِن الْمَرْء إِذا نظر إِلَى من فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا استصغر مَا عِنْده من نعم الله فَكَانَ سَببا لمقته، وَإِذا نظر للدون شكر النِّعْمَة وتواضع وحمد؛ فَيَنْبَغِي للْعَبد أَن لَا ينظر إِلَى تجمل أهل الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يُحَرك دَاعِيَة الرَّغْبَة فِيهَا ومصداقه قوله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٣١)} (طه: (١٣١)).
أي: لا تمد عينيك مُعجَبًا، ولا تكرر النظر مستحسنًا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء المجملة، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا، تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابًا بأبصار المعرضين، ويتمتع بها - بقطع النظر عن الآخرة - القومُ الظالمون، ثم تذهب