للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سريعًا، وتمضي جميعًا، وتقتل محبيها وعشاقها، فيندمون حيث لا تنفع الندامة، ويعلمون ما هم عليه إذا قدموا في القيامة، وإنما جعلها الله فتنة واختبارًا، ليعلم مَن يقفُ عندها ويغْتَرُّ بها، ومن هو أحسن عملًا.

{وَرِزْقُ رَبِّكَ} العاجل من العلم والإيمان وحقائق الأعمال الصالحة، والآجل من النعيم المقيم والعيش السليم في جوار الرب الرحيم {خَيْرٌ} مما متعنا به أزواجًا في ذاته وصفاته {وَأَبْقَى} لكَوْنِه لا ينقطع، أكُلُها دائم وظلها، كما قال تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧) (الأعلى: (١٦) - (١٧)).

وفي هذه الآية إشارة إلى أن العبد إذا رأى من نفسه طموحًا إلى زينة الدنيا وإقبالًا عليها أن يذكرها ما أمامها من رزق ربه وأن يوازن بين هذا وهذا.

وقيل لحاتم الأصم: «عَلَامَ بنَيْتَ أمْرَك؟»، فقال: «على التوكل». ثم قال: «بنَيْتُ أمري على أربع خصال: علمتُ أن رزقي لا يأكلُه غيري؛ فاطمأنَّتْ نفسي، وعلمتُ أنّ عملي لا يعملُه غيري؛ فلم أشتغل لغيره، وعلمتُ أنّ الموت يأتيني بغتةً؛ فأنا أبادِرُه، وعلِمْتُ أني لا أخلو من عين الله - عز وجل - حيث ما كنت؛ فأنا مُستحْيِي منه».

السادس عشر: أن يضع المرء نفسه موضع خصمه:

فإن ذلك يدعوه إلى حسن الظن، قال ابن حزم - رحمه الله -: «من أراد الإنصاف فلْيَتَوَهَّمْ نفْسَهُ مكانَ خصمِه فإنه يلوح له وجهُ التعسف».

وقال إبراهيم بن جنيد - رحمه الله -: «اتخذ مرآتين، وانظر في إحداهما عيب نفسك، وفي الأخرى محاسن الناس».

السابع عشر: صحبة الجليس الصالح والابتعاد عن الجليس السوء:

فعن أَبِي مُوسَى سدد خطاكم عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: “ إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ. فَحَامِلُ الْمِسْكِ، إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>