للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٢ - السهر في طلب العلم:

قال الإمام البخاري - رحمه الله - (بَاب السَّمَرِ فِي الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ) ثم أورد حديث قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: «انْتَظَرْنَا الْحَسَنَ وَرَاثَ عَلَيْنَا حَتَّى قَرُبْنَا مِنْ وَقْتِ قِيَامِهِ، فَجَاءَ فَقَالَ: «دَعَانَا جِيرَانُنَا هَؤُلَاءِ»، ثُمَّ قَالَ: «قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: «انْتَظَرْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى كَانَ شَطْرُ اللَّيْلِ يَبْلُغُهُ فَجَاءَ فَصَلَّى لَنَا ثُمَّ خَطَبَنَا، فَقَالَ: “ أَلَا إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا ثُمَّ رَقَدُوا وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلَاةَ “، قَالَ الْحَسَنُ: «وَإِنَّ الْقَوْمَ لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا انْتَظَرُوا الْخَيْرَ» (رواه البخاري).

(اِنْتَظَرْنَا الْحَسَن) أَيْ اِبْن أَبِي الْحَسَن الْبَصْرِيّ. (وَرَاثَ عَلَيْنَا) أَيْ أَبْطَأَ وتأخر.

(مِنْ وَقْت قِيَامه) أَيْ الَّذِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْقُعُودِ مَعَهُمْ فِيهِ كُلَّ لَيْلَة فِي الْمَسْجِد لِأَخْذِ الْعِلْم عَنْهُ. (دَعَانَا جِيرَانُنَا) كَأَنَّ الْحَسَن أَوْرَدَ هَذَا مَوْرِدَ الِاعْتِذَار عَنْ تَخَلُّفِهِ عَنْ الْقُعُود عَلَى عَادَتِهِ. (ثُمَّ قَالَ) أَيْ الْحَسَن. (حَتَّى كَانَ شَطْرُ اللَّيْل) بِرَفْعِ شَطْر، وَكَانَ تَامَّة. (يَبْلُغهُ) أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ. (ثُمَّ خَطَبَنَا) أَيْ بَعْدَ صَلَاة العشاء. وهَذا مَوْضِع الشاهد من الحديث.

وَأَوْرَدَ الْحَسَن ذَلِكَ لِأَصْحَابِهِ مُؤْنِسًا لَهُمْ وَمُعَرِّفًا أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ فَاتَهُمْ الْأَجْر عَلَى مَا يَتَعَلَّمُونَهُ مِنْهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ عَلَى ظَنُّهُمْ فَلَمْ يَفُتْهُمْ الْأَجْر مُطْلَقًا لِأَنَّ مُنْتَظِر الْخَيْر فِي خَيْر فَيَحْصُلُ لَهُ الْأَجْر بِذَلِكَ، وَالْمُرَاد أَنَّهُ يَحْصُل لَهُمْ الْخَيْر فِي الْجُمْلَة لَا مِنْ جَمِيع الْجِهَات.

وَاسْتَدَلَّ الْحَسَن عَلَى ذَلِكَ بِفِعْلِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَإِنَّهُ آنَسَ أَصْحَابه بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَن بَعْدُ: «وَأَنَّ الْقَوْم لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا اِنْتَظَرُوا الْخَيْر».

وَلَا تَسْأَمَنَّ الْعِلْمَ وَاسْهَرْ لَنَيْلِهِ ... بِلَا ضَجَرٍ تَحْمَدْ سُرَى اللَّيْلِ فِي غَدِ

وهكذا كان أسلافنا الأوائل، يحيون ليلهم في مدارسة حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. يقول فضيل ابن غزوان: «كنا نجلس أنا ومغيرة - وعدَّدَ ناسا - نتذاكر الفقه فربما لم نَقُمْ حتى نسمع النداء بصلاة الفجر».

<<  <  ج: ص:  >  >>