للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلْيَعْلم المهموم أن ما يصيبه من الأذى النفسي نتيجةً للهمّ لا يذهب سُدًى بل هو مفيد في تكثير حسناته وتكفير سيئاته، ولْيَعْلم المسلم أنه لولا المصائب لوَرَدْنا يوم القيامة مفاليس كما ذكر بعض السلف؛ ولذلك كان أحدهم يفرح بالبلاء كما يفرح أحدنا بالرخاء.

وإذا علم العبْدُ أن ما يصيبه من المصائب يكفّر عنه سيئاته فرح واستبشر، وخصوصًا إذا عُوجِل بشيء بعد الذنب مباشرة، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

(إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ) أَيْ أَسْرَعَ (لَهُ الْعُقُوبَةَ) أَيِ الِابْتِلَاءَ بِالْمَكَارِهِ (فِي الدُّنْيَا) لِيَخْرُجَ مِنْهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ، وَمَنْ فُعِلَ ذَلِكَ مَعَهُ فَقَدْ أَعْظَمَ اللُّطْفَ بِهِ وَالْمِنَّةَ عَلَيْهِ (أَمْسَكَ) أَيْ أَخَّرَ (عَنْهُ) مَا تَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ (بِذَنْبِهِ) أَيْ بِسَبَبِهِ (حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ حَتَّى يَأْتِيَ الْعَبْدُ بِذَنْبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَعْنِي لَا يُجَازِيهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يَجِيءَ فِي الْآخِرَةِ مُتَوَفِّرَ الذُّنُوبِ وَافِيهَا فَيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنَ الْعِقَابِ.

ثالثًا: معرفة حقيقة الدنيا:

فإذا علم المؤمن أن الدنيا فانية، ومتاعَها قليل، وما فيها من لذة فهي مكدّرة ولا تصفو لأحد. إن أضحكت قليلًا أبكت طويلًا، وإن أعطت يسيرًا منعت كثيرًا، والمؤمن فيها محبوس كما قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» (رواه مسلم).

وهي كذلك نَصَبٌ وأذى وشقاء وعناء؛ ولذلك يستريح المؤمن إذا فارقها كما جاء عن أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ»، قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ»، قَالَ: «الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ» (رواه البخاري).

<<  <  ج: ص:  >  >>