للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وموت المؤمن راحة له من غموم دار الدنيا وهمومها وآلامها كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سدد خطاكم عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا قُبِضَ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ، فَتَقُولُ: «اخْرُجِي إِلَى رَوْحِ اللهِ»، فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ مِسْكٍ حَتَّى إِنَّهُمْ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَشُمُّونَهُ، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُونَ: «مَا هَذِهِ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي جَاءَتْ مِنَ الْأَرْضِ؟»، وَلَا يَأْتُونَ سَمَاءً إِلَّا قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَهْلِ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ، فَيَقُولُونَ: «مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟»، فَيَقُولُونَ: «دَعُوهُ حَتَّى يَسْتَرِيحَ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا» (رواه ابن حبان وغيره، وصححه الألباني).

إن هذا المعنى الذي يدركه المؤمن لحقيقة الدنيا يُهوّن عليه كثيرًا من وقع المصاب وألم الغمّ ونكد الهمّ؛ لأنه يعلم أنه أمر لا بدّ منه فهو من طبيعة هذه الحياة الدنيا.

رابعًا: ابتغاء الأسوة بالرسل - عليهم السلام - وبالصالحين واتخاذهم مَثلا وقدوة:

وهم أشد الناس بلاءً في الدنيا، والمرء يبتلى على قدر دينه، والله إذا أحب عبدًا ابتلاه، وقد سأل سعد سدد خطاكم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً»، قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

خامسًا: أن يجعل العبد الآخرة همه لكي يجمع الله له شمله لما رواه أنس سدد خطاكم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ. وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

<<  <  ج: ص:  >  >>