للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ) أَيْ قَصْدُهُ وَنِيَّتُهُ، (جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ) أَيْ جَعَلَهُ قَانِعًا بالكفاف والكِفَاية كَيْلَا يَتْعَبَ فِي طَلَبِ الزِّيَادَةِ (وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ) أَيْ أُمُورَهُ الْمُتَفَرِّقَةَ بِأَنْ جَعَلَهُ مَجْمُوعَ الْخَاطِرِ بِتَهْيِئَةِ أَسْبَابِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِهِ (وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا) أَيْ مَا قُدِّرَ وَقُسِمَ لَهُ مِنْهَا (وَهِيَ رَاغِمَةٌ) أَيْ ذَلِيلَةٌ حَقِيرَةٌ تَابِعَةٌ لَهُ لَا يَحْتَاجُ فِي طَلَبِهَا إِلَى سَعْيٍ كَثِيرٍ بَلْ تَأْتِيهِ هَيِّنَةً لَيِّنَةً عَلَى رَغْمِ أَنْفِهَا وَأَنْفِ أَرْبَابِهَا (وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ) أَيْ جِنْسَ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الْخَلْقِ كَالْأَمْرِ المحسوس مَنْصُوبًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ (وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ) أَيْ أُمُورَهُ الْمُجْتَمَعَةَ (وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ) أَيْ وَهُوَ رَاغِمٌ فَلَا يَأْتِيهِ مَا يَطْلُبُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى رَغْمِ أَنْفِهِ وَأَنْفِ أَصْحَابِهِ.

قال ابن القيم - رحمه الله -: «إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمّل الله عنه سبحانه حوائجه كلها، وحمل عنه كلّ ما أهمّه، وفرّغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمّله الله همومها وغمومها وأنكادها ووكَلَه إلى نفسه، فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره. فكلّ من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بُلِيَ بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته. قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦)} (الزخرف: ٣٦)».

سادسًا: ذكر الموت:

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ» يَعْنِي الْمَوْتَ. (رواه الترمذي، وصححه الألباني). وعَن أَنَسسدد خطاكم أَن رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَرَّ بِمَجْلِسٍ وَهُمْ يَضْحَكُونَ فَقَالَ: «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ، فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ فِي ضِيقٍ مِنَ الْعَيْشِ إلاَّ وَسَّعَهُ عَلَيْهِ، ولَا فِي سَعَةٍ إلاَّ ضَيَّقَهُ عَلَيْهِ» (رواه البزار، وحسنه الألباني).

<<  <  ج: ص:  >  >>